تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تركيا في مرمى الإرهاب.. خيارات صعبة وأثمان أصعب

متابعات سياسية
الثلاثاء 5-7-2016
فؤاد الوادي

قد يكون مفهوماً وواضحاً بل ومتوقعاً أيضا أن يضرب الإرهاب تركيا أردوغان وبشكل عنيف يفوق ما حدث وما قد يحدث، وذلك كنتاج طبيعي للسياسات الحمقاء التي كان يتبعها الاخير طيلة السنوات الماضية والتي كانت فاضحة وصارخة في تهورها ومبالغتها في دعم الإرهاب واحتضانه وتصديره الى الدول المحيطة،

تلك السياسات التي كانت ولاتزال محكومة بتطلعات السلطان العثماني وطموحاته الاستعمارية.‏

.. لكنه بالتأكيد ليس مفهوما بعد ماذا يقصد السلطان العثماني أردوغان بقوله في معرض ردة فعله على الهجمات الإرهابية التي ضربت بلاده بأنها أي تلك الهجمات تهدف الى تشويه صورة نظامه المشوهة أصلا والتي لم تزدها سياساته الاستعمارية والعثمانية التي تهدف الى السيطرة على المنطقة وتسيدها بعد إضعاف دولها وتقطيعها من خلال نشر التطرف واللعب على الوتر الطائفي والديني إلا تشوها وقبحا وقتامة.‏

لقد حاول النظام التركي ومنذ بداية الاحداث في سورية استغلال ما يجري بأبشع الصور وأكثرها دموية ووحشية لصالح أهدافه وتطلعاته بغض النظر عن قذارة الوسيلة والطريقة وبالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة والغرب ومع الكثير من الأنظمة العميلة في المنطقة، وهذا كله ساهم في خلق تراكمية كبيرة من الاعباء والاخطاء التي وصلت الى حدود الخطايا والهزائم سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي إقليميا ودوليا، وهذا بدوره أدى مع مرور الأيام الى تشويه صورة النظام التركي على كافة الجبهات والاصعدة، وهو الامر الذي دفعه بالتالي للبحث عن خيارات وبدائل جديدة قد تكون صعبة، بل ومستحيلة تنقذه من تلك الرمال المتحركة التي يغوص فيها شيئا فشيئا- التصالح والتطبيع مع الإسرائيلي والتقارب مع الروسي ومستقبلاً (إن صدقت النوايا والوعود والاقوال التي يتشدق بها اردوغان امام العالم وتحديدا امام الجانب الروسي) إدارة الظهر للتنظيمات الإرهابية التي تقاتل تحت عباءته يندرج في هذا السياق.‏

غير أن الطامة الكبرى تكمن في إصرار أردوغان على المضي قدماً في ذات الطريق التي لايزال يمضي بها مسرعاً نحو الخراب والتدمير بسبب سياسات التطرف التي يتبعها، وهذا ما يؤكده تصالحه الذي كان متوقعاً مع الكيان الصهيوني على حساب أبناء شعبه بالدرجة الأولى وعلى حساب الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يتاجر بدمائه وقضيته منذ استلامه زمام السلطة في تركيا.‏

ضمن هذا السياق يمكن تفسير الموقف الروسي الواضح بهذا الشأن والذي طالب الرئيس التركي قبل البدء بأي محاولة للتقارب والاستعطاف وطلب الود بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية بأفعال جادة وحقيقية ومسؤولة على الأرض بعيدا عن الاقوال والشعارات الفارغة والرنانة التي ترمي الى قضم الوقت بهدف تغيير المعادلات والموازين المرسومة على الأرض والعودة الى المربع الاول، أفعال تساهم في محاربة الإرهاب تبدأ من إغلاق الحدود بشكل كامل بوجه الإرهابيين الذين لا يزال يرسلهم أردوغان بأمر من الولايات المتحدة وبدافع استعماري بحت تحرضه وتدغدغه وتنميه مشاعره وطموحاته واحلامه الاستعمارية بالسيطرة على المنطقة.‏

على ذات الضفة تبدو رسالة الإرهاب في هذا المجال واضحة وهي رسالة موحدة لجميع داعميه وحاضنيه وخاصة الطرف التركي حاليا الذي يتلاعب بجميع حلفائه وشركائه واداوته، بأنهم ليسوا بمنأى عن غضبه و وحشيته ودمويته مهما كانت علاقتهم وروابطهم وثيقة به ومهما التقت مصالح واهداف الطرفين، وبالتالي فإن تلك الأنظمة والأطراف تبقى تراوح أمام خيارين لا ثالث لهما، إما مواصلة الانصياع لرغباتهم وشهواتهم، وإما العدول عن تلك السياسات المهلكة للمنطقة برمتها واتخاذ قرار محاربته ومواجهته بشكل جاد ومسؤول وفعال بعيداً عن المراوغة والمداورة واللف و الدوران والعاقل من يتعظ من غيره، وهذا ما يفتح الباب مجددا على جملة من التساؤلات المشروعة عن الثمن الذي يجب أن تدفعه تلك الأطراف المتشبثة بسياسات دعم واحتضان الإرهاب مقابل الوصول الى مآربها وأهدافها وطموحاتها حتى لو كان ذلك على حساب شعوبها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية