|
ثقافة
فيلم (الطريق الى الاسفل طويل) المستمد عن رواية للكاتب نيك هورني، تحمل الاسم ذاته، رواية (A LONG WAY DOWN) أخرجها باسكال تشوميل. عرض الفيلم خلال تظاهرة أفلام حديثة التي أقامتها المؤسسة العام للسينما في دار الاوبرا.. أربعة أشخاص يلتقون في حالة يأس، يجمعهم سطح مبنى شاهق، على التتالي ياتون وكأنهم في منافسة مع الموت،.. بينما مارتن شارب يريد الانتحار وهو في لحظة التنفيذ تغافله مورين هي الاخرى قادمة بسرعة في لحظة فقدان الأمل كما سمتها،.. ولكنها تريد انتظار دورها.. ! يتحول الوقت لصالح الحياة، فجأة يجتمع على سطح البناء المرتفع أربع شخصيات (مارتن شارب - بيريس بروسنان- مذيع تلفزيوني، اتهم بالاعتداء على قاصر، مورين- توني كوليت- في لحظة فقدان الامل، جيس- إيموجن بوتس- فقدت اختها، وجي جي- أرون بول- مغن روك مغمور). لحظة اجتماعهم تلك يبدو أنها هي التي تؤجل انتحارهم، لتتوالى الاحداث، ويصبح تواصلهم معا، فرصة لانقاذ حياتهم، واكتشاف معنى جديد للحياة استمدوه من بؤسهم نفسه.. ! الفيلم لايعقد الحالات الانسانية، بل يبسطها الى أبعد الحدود، ليخبرنا بمشاهد مكثفة حكاية ماضي كل شخصية، وكيف وصل الحال بها الى هنا، ومن ثم ما ذا فعلت بعد نجاتها، منطلقا من لحظة الانتحار تلك بكل سوداويتها وترددهم ثم نعود الى لحظة الغاء الفكرة نهائيا والاستمرار بشغف في الحياة.. ! التقنية السينمائية التي يعتمدها تقترب من اللحظة الآنية، الى أن تختفي تدريجيا باتجاه ماضي الشخصية وكيف وصل الحال بها الى الانهيار، لنرى أن فكرة الانتحار نفسها، والاقتراب من الموت الى هذه الدرجة هي التي أنقذت الشخصيات الاربع، اضافة الى تواصلهم الانساني والذي بدا مهزوزا في اماكن عديدة من الفيلم الا انه في النهاية ينقذهم. يعتمد الفيلم على اللقطات المقربة، ويرصد عبرها انفعالات الشخصيات، وطريقة تعاطيها مع فكرة الاقتراب المتعمد من الموت، تلاحقهم الكاميرا بطرق عديدة تارة عبر الفتاة جيس التي يبدو وكانها تلعب لعبتها المفضلة في الاختفاء، وهي تلاحقهم، وفي احيان يبدو وكأن الكاميرا تترصدهم وحدها، كاشفة عن عوالمهم الخفية. هنا تظهر كاركترات الشخصية وتحولاتها، من لحظة اليأس المطبق، والغرق في المعاناة الى لحظة النجاة، وما بين تلك الحالات نحن امام كاميرا، لايبدو أن ما يحركها الحس الانساني، بل الانفعالات-النفسية- اللارادية التي تسيطر على الشخصيات، في ظل ظروفها الصعبة. لكل شخصية بصمتها الحياتية المختلفة، فبينما تبدو جيس، عبثية، تحول كل شيء الى لعبة.. وكان لاشيء يعنيها، نكتشف انها على علاقة سيئة بوالدها السياسي وكأنها تحمله سبب اختفاء اختها، سرعان ما يصبح في نهاية الفيلم مقربا منها ومن عالمها الذي يبدأ بالدفاع عنه، واحترام خياراتها حتى لو لم تعجبه. بينما شخصية مورين التي تبدو للوهلة الاولى لاطيبة فحسب، بل ساذجة، سرعان ما تبدأ بلعب دور الام، هكذا نراها تنتقل من حال بائس الى أخرى تحاول أن تجد معنى لحياتها من خلال رابط انساني عميق، مع ابنها مارتي المعاق.. أما جي جي- الموسيقي، الذي ادعى انه مريض سرطان، سرعان ما تبدو أن حالته الاعقد بين الشخصيات الاربع، ففي وقت سباق كانوا قد وقعوا على اتفاق ألا ينتحروا قبل عيد الفالانتين..، حتى ذلك الوقت جميعهم كانوا قد بدلوا رأيهم، الا هو، لم يعثروا عليه الا فوق سطح المبنى ذاته الذي اجتمعوا فوقه في مرة سابقة، وبدا صعوبة اقناعه بالعدول عن رايه وهو أقرب من اي وقت مضى من الموت. حين وقعوا على اتفاق العدول عن الانتحار حتى عيد الفالانتين يبدو أن احداً ما قد وشى بهذا الاتفاق للصحافة، وبدات تلاحقهم ليصبحوا مشاهير، ويزداد حالهم سوءا، خاصة بعد أن التقت بهم زميلة قديمة لمارتن، جعلته يشعرون بالذل والمهانة حين سعت لنبش قصصهم الانسانية المؤلمة بطريقة مهينة.. ! اقتراح مارتن بأن يديروا اللعبة الاعلامية على طريقتهم ليجنوا بعض المال ويستفيدوا من الشهرة فشل، فاقترح عليهم الذهاب في رحلة، الى أحد المنتجعات. هنا لاننتقل الى مرحلة حياتية جديدة فحسب، بل والى لغة سينمائية وايقاع سينمائي جديد، تتسارع المشاهد، وتنفلت مشاعرهم، ونراهم للمرة الاولى يعيشون حالة مرح حقيقي ومكاشفات عميقة، يتساوى فيها الكل، الى ان تظهر صحفية تدعى كاثي تنجح بتفرقتهم.. ! تشتتهم ذلك ينعكس سلبا لاعليهم فقط، بل وعلى ايقاع الفيلم اذا يبدو انه كان يستمد قوته من اجتماعهم معا، اذا ان قصصهم الفردية رغم أهميتها، لاتجعلك تنشد، يختلف ريتم الفيلم كليا وأن تتابعهم معا، حين ينجحون في استنباط حوارات عميقة، تغذي أرواحهم وبالتالي روح المشاهد، بعيدا عن بؤس قسري مهما فعلنا يحيط بنا رغما عنا.. ! لايطول غيابهم عن بعضهم، اذا انه سرعان ما يجتمعون ثانيةنوكانهم كانوا بانتظار اشارة، على وقع مرض ابن مورين، ومع انها لحظة مهمة الا أنه كما فعل في مواضع عديدة، لا يتمكن الفيلم من ايصال عمق المعاناة، اذا انه دائما هناك لحظات حسية -عميقة مفقودة، كثيرا ما كانت تفلت روح المشهد السينمائي، فتاتينا تلك المشاهد التي تعتمد البوح الداخلي، باردة، تشبه لحظات اجتماعهم الاول.. الفيلم يعلمك أنه حتى في اصعب لحظات البؤس، يمكنك قبل أو حتى بعد الوصول الى لحظة الانهيار، الاعتماد على التكاتف والتواصل والدف ءالانساني، هو القادر وحده على انتشالك قبل ان تصبح العتمة أبدية.. ! |
|