|
شؤون سياسية والتمسك بالاستيطان وتهويد مدينة القدس العربية المحتلة، فكل الحكومات «الإسرائيلية» السابقة المتعاقبة حملت نفس المضامين التي تضمنها خطاب نتنياهو الأخير، غير أن الاختلاف بينها لايعدو اختلافاً في المفردات واللغة المستخدمة للتعبير عن المواقف الدائمة والثابتة في عقلية القيادات الصهيونية. لم يكن خطاب نتنياهو مفاجئاً بدليل احتوائه وشموله على الأفكار ذاتها التي يتبناها ائتلافه الحاكم اليميني العنصري المتطرف. وإن اختلفت لغة الخطاب بغية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وفي الوقت ذاته الحرص على خداع المجتمع الدولي وإظهار رغبته في السلام الفلسطيني والتطبيع مع العرب. من الواضح أن نتنياهو قد حقق جزءاً كبيراً من الأهداف التي سعى إليها من وراء الخطاب الذي جاء بعد خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في القاهرة الذي تضمن تأكيداً على خيار الدولتين للتسوية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ودعوة لدولة الاحتلال بوقف الاستيطان ، حيث جاء الترحيب الأمريكي الأوروبي سريعاً بخطاب نتنياهو رغم اللغة المخادعة التي اعتمدها، فهو قال كل شيء ولم يقل شيئاً، فقد أفرغ عملية التسوية السياسية من مضامينها ورسم خارطة اسرائيلية للتسوية السلمية، ودعا الفلسطينيين والعرب إلى السير وفقها إن أرادوا السلام في المنطقة. ماورد في خطاب نتنياهو ليس مواقف خاصة به، وإنما هو تأكيد بلغة مختلفة لما دأب قادة الكيان على اختلاف تشكيلاتهم الحكومية على القيام به والتأكيد عليه منذ عقود طويلة، وازداد التعنت الاسرائيلي والتمسك بهذه المواقف العنصرية المتطرفة مع انطلاق عملية التسوية ومؤتمر مدريد عام 1991، وهنا يمكن التدليل على ذلك بما قاله اسحاق شامير في تلك الفترة على سبيل المثال، والذي لم يتوان عن إعلان تخطيطه لمفاوضات طويلة الأجل مع الفلسطينيين من دون أن يمنحهم شيئاً. لقد حاول نتنياهو في خطابه تضييق مساحة الخلاف مع الرئيس الأمريكي أوباما، لكنه لم يلب ماتطالب به الإدارة الأميركية بخصوص حل الدولتين ووقف الاستيطان. لقد تضمن الخطاب تغييراً في اللغة واحتفاظاً بالمواقف «الإسرائيلية» المعروفة والمعهودة منذ سنوات وعقود طويلة. وفيما يتعلق بحل الدولتين، جاء إعلان رئيس وزراء العدو عن موافقته على دولة فلسطينية فارغاً ومخادعاً، إذ إنه انتزع كل مقومات الدولة وجعلها «محمية» «اسرائيلية» أو الدولة «المسخ» دولة بدون جيش ولاسلاح ولامقومات وبلاعاصمة ناسفاً بذلك خارطة الطريق التي تنص على قيام دولتين فلسطينية واسرائيلية ولم يتطرق إلا إلى الشق الأمني الذي ينص على التزامات فلسطينية على صعيد مكافحة «الإرهاب» أي ملاحقة المقاومة ومحاولة سحب سلاح المقاومين، عبر التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن في الكيان الصهيوني وهو الشق الذي يكرس الشقاق الداخلي الفلسطيني بين فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية. واللافت في خطاب نتيناهو تجاهله للمبادرة العربية، والتي قابلتها دولة الاحتلال بالرفض منذ تبنيها في القمة العربية في بيروت عام 2003 المهم أن اسرائيل لاتريد دولة فلسطينية قائمة بجوارها، وإنما تريد مفاوضات طويلة الأجل فارغة من كل المحتويات، في الوقت تحاول خداع العالم والمجتمع الدولي ومنع أي محاولة لعزلها وحتى ولو أن نتيناهو حاول إرضاء إدارة أوباما بموافقته على قيام دولة فلسطينية «مسخ» لها علم ونشيد وطني، إلا أنه رفض التعهد بوقف الاستيطان أو حتى تجميده في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنه عمل على خداع العالم بادعائه أن «اسرائيل» لن تصادر أراض جديدة من أجل الاستيطان، وإنما من حق المستوطنين التوسع في إطار مايعرف «بالنمو الطبيعي». وعندما يدعو نتنياهو الفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة، بعد حديثه عن دولة فلسطينية هشة دولة على الورق وبلا مقومات، وبعد رفضه وقف الاستيطان، وتمسكه بالقدس عاصمة أبدية لـ «اسرائيل» ورفضه حق العودة للاجئين ودعوته لحل قضيتهم خارج حدود كيانه، فإذا كانت هذه هي خارطة السلام بحسب رؤية نتنياهو فماذا بقي للمفاوض الفلسطيني كي يتفاوض عليه؟. لم يأت بجديد في خطابه إلا لغة الخداع والمراوغة، ولم يكن الفلسطينيون بحاجة إلى رد فعل غاضبة على الخطاب بقدر حاجتهم إلى العودة سريعاً إلى الحوار على أساس الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، لأن احتمالات حرب جديدة ليست ببعيدة، والكل الفلسطيني في رام الله وغزة في مرمى النار «الاسرائيلية» ولايمكن مواجهة هذه النار إلا بالوحدة والبحث عن استراتيجية مواجهة موحدة كي ينجو الجميع، وقبل أن يجهز الاحتلال على ما تبقى من مشروع التحرر الوطني. |
|