تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«جيل الدربكة»..يســـــــــتورد لعقلـــــــه.. أســــــــلحة قتلـــــــــه..

ثقافة
الجمعة22-1-2016
هفاف ميهوب

قد يحصل أن يقع بين أيدينا كتابٌ أو دراسة أو مقال, أو سوى ذلك مما كُتبَ في أزمنةٍ غابرة. أزمنة لانتوقع بأن ماكان يجري فيها من وقائع وأحداث, قد يحدث في الحاضر أو المستقبل

, لنكتشف وبعد قراءة ماكان قد وقع بين أيدينا, بأن ماكُتب يُصلح لكلِّ الأزمنة والأمكنة, وبما يحكيه ويؤكد بأن كل التطورات التي شهدناها, لم تطوِّر صفات وأخلاق البشر لطالما, كانوا ولايزالون, يراوحون بين طبقاتٍ وفئات, منها المقهورة ومنها المقموعة ومنها المهيمنة والقاهرة.‏

أما ماوقع بين يدي وجعلني أبدأ بما كتبتْ, فـ «جيل الدربكة» الكتاب الذي ضمَّنه الأديب «عبد السلام العجيلي» آراؤه, وسواء في العلم والفكر أو في الطب والسياسة, ليكون أول ما استوقفني فيه, المقال الذي يقول «العجيلي» فيه, وتحت عنوان: «التاريخ هذا الفضولي المزعج»:‏‏

«إن إسقاط التاريخ من ثقافة البشر يريحهم, ولكنها راحة الموت. الآن فطنتُ إلى السبب الذي من أجله تحاول بعض الفئات, أن تطمس تاريخ شعبها أو تتنكر له, أو تنتقص من جهود أسلافها, ولماذا تزوِّر التاريخ أو تديرُ رؤوسَ الجماعات عن ماضيها بحجة أن الماضي لاقيمة له.. إن التخلّص من التاريخ يعني التخلص من المسؤولية, فياله من فضولي مزعج هذا التاريخّ..‏

ولكنني مع ذلك, أفضِّل لابني أن يتعلَّمه وأن يتأخر خمسة أعوام لينال البكالوريا. صحيح أن الحيوانات التي لاتعرف التاريخ تعيش في دعة وراحة بال, ولكني لاأريد لابني عيشاً مثل عيشها.. إني أريد له أن يكون إنساناً»..‏‏

لابدَّ لمن يقرأ هذه الكلمات, من أن يعرف السبب في كونها استوقفتني, لأنها ستستوقفه أيضاً, ولأنها كتبتْ في زمنٍ ماأشبهه بالزمن الذي نعيشهُ. الزمن الذي يسعى فيه أعداء وطننا, لطمس وإبادة ثقافتنا وتراثنا وإنساننا وحضارتنا وتاريخنا, وبمساعدة البعض ممن انسلخوا عن التاريخ, وسعوا إلى طمسهِ والتنصُّل من مسؤولية الاعتراف به.‏‏

أيضاً, استوقفني في «جيل الدربكة» المقال الذي عنونهُ «العجيلي» بـ ثيابنا الفضفاضة» والذي كان شاهداً فيه, على حديث صديقين, كان أحدهما عائداً من جولةٍ له في عدة عواصم عربية, وكان يحدث صديقهُ عن تجارة الكلام التي وجدها الأكثر رواجاً بين التجارات في البلاد التي زارها.‏‏

إذاً, الحديث كان عن الكلام الذي ما أكثر مايتاجر به الناس, وبعد تضخيمه, وبما يُراد منه, تغطية وتزييفِ حقائقٍ لأنني وجدتها تُزيفُ في هذا الزمن, وجدت بأن عليَّ أن أذكِّر بقول «العجيلي» في المقال, وعلى لسان الصديقين المختلفين في الرأي, وعندما قال أحدهما للآخر:‏‏

«هل تستطيع أن تنكر أن الفدائيين وأعمالهم, وأن معركة الكرامة أمور تستحق التمجيد بالشعر والنثر, وبالخطبِ على المابر وبالتعليقات المُسهبة في الإذاعات؟.‏‏

قال الآخر: «لاأنكر ولكن, المؤسف أن الذين يتكلَّمون ليسوا هم الفدائيين, ولا الشهداء الذين سقطوا في معركة الكرامة. هؤلاء لم أرَ لهم أو عنهم, إلا ورقاتٍ بحجم الكفِّ ملصقة على الجدران, تتضمَّن أسماءهم ولمحة عن تاريخ حياتهم القصير, قبل أن يلقوا الموت في سبيل الوطن. أما الذين يتكلَّمون ويتكلَّمون, ويلقون القصائد والخطابات, فهم نحن القابعين في المؤخرة»..‏‏

قال الصديق الأول: «وماذا فيها؟.. هكذا الدنيا.. أناسٌ فعَّالون وأناسٌ قوَّالون, ولكلٍّ ميدانه.. أناسٌ يموتون ببطولة, وأناس تتفتَّح عبقرياتهم في وصف البطل وتمجيد البطولة»..‏‏

لن أعقِّب على ماورد في هذا المقال, وسأترك هذه المهمة للقارئ. لن أعقِّب لأن هناك الكثير من مقالات «جيل الدربكة» تستحق الوقوف عندها, والتي وجدت بأن أكثرها ملائمة لما يحصل في حاضرنا, «الطائرة والشدَّاد» و«الشدَّاد» يعني لدى العرب «سرج الجمل».‏‏

في هذه المقالة يتحدَّث «العجيلي» عن كيفية استبدالنا لشمسنا الساطعة بصقيعِ الغرب, ولروحانياتنا بأموالهم التي عبدناها كإله.. نعم استبدلنا شمسنا وفلسفتنا وحضارتنا وروحانياتنا. تلك التي «نصب لها الأديب «أمين الريحاني» ذات مرة, مزاداً عالمياً, وقف فيه كالدلَّال ينادي بصوتٍ عالٍ: «أنا الشرقُ. عندي فلسفات.. عندي أفكار.. عندي روحانيات.. من يبعني بها دبابات ومدافع وطيارات؟.. لم يتقدم ولم يرض أحد من الغرب, بأن يبادلنا آلياتهِ بفلسفاتنا وأفكارنا وروحانياتنا».‏‏

يذكرُ «العجيلي» هذا, ليقول بعدها: «لعلّي مخطئٌ في هذا.. هناك كثر من أبناء هذه الأمة سيخطئونني. إنهم أولئك الذين يصرون على أن لايعودوا من المزاد بأيدٍ فارغة. لقد قايضوا روحانياتهم وخيرات بلادهم, بما استطاعوا أن يجدوه في سوق الغرب, مثالهم في هذا, شيخٌ معروف ذهب إلى إحدى كبريات بلاد الغرب في زيارةٍ تثقيفية أو إرشادية, وعندما عاد, كان جيبه مثقلاً بالدولارات, ولما سأله بعض مريديهِ عن حصيلة الزيارة قال: «كما ترون.. أردنا هدايتهم فدعوناهم إلى دخول ديننا, فلما أبوا أخذنا منهم الجزية»..‏‏

أكتفي, رغم أن في «جيل الدربكة» الكثير الكثير مما يستحقُّ أن نتوقف لديه متسائلين: «إذا كان الإنسان يرثُ وعبر العصور كل مايجعله منسلخاً إلا عن جهلهِ وفساده وضياعه وجشعه، فأي جيلٍ ذاك الذي ننتظره، أوليس الجيل المتراقص تيهاً ما بين جهله وعدمه؟..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية