تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«حتى العناق.. افتراضي»

معا على الطريق
الجمعة22-1-2016
لينـا كيــلاني

تزخر الأساطير بخوارق الأحداث والأبطال، وكأنها الرغبات العميقة عند البشر في التفوق على ما يملكون من إمكانات تظل محدودة، ومحكومة بقوانين الطبيعة والحياة..

إلا أن الخيال يتجاوز كل معطيات الواقع لينسج قصصاً، ويرسم أبطالاً تتجاوز إمكاناتهم ما هو قائم.. فإذا بأبطال الأساطير يحققون المستحيل، ويتمردون على كل ما هو مألوف حتى يغدو الحلم كالحقيقة، والوهم كاليقين.. ولا تخلو قصص الخيال، وأفلام السينما من هذه النماذج التي حققت لنفسها تفوقاً يتجاوز ما هي عليه في واقع الحال.‏

وإذا ما كانت السينما، والألعاب الإلكترونية قد غذّت هذه النزعة عند بعض الناس بما أنتجه كل منهما من أفلام وألعاب فإن البطل الخارق الذي يحقق ما لا يمكن تحقيقه قد غدا نموذجاً لفئات معينة من المتابعين، ولا سيما ممن هم في أعمار صغيرة، يقتدون به، ويحاولون تقليده في السلوك، أو في المظهر، أو في مظاهر القوة لديه. وطالما أن الاختراعات الحديثة لا تقف في ابتكاراتها عند حدود لها فقد طورت ألعاباً هي في الحقيقة أقرب إلى الدمى الإلكترونية، ومستوحاة من فيلم شهير، تتحرك عن بعد حسب ما يريد لها صاحبها، وبإشارة من يده حتى ليخال اللاعب نفسه أنه أصبح منافساً لذلك البطل السينمائي الخارق الذي يملك قوة تحريك الأشياء إذا ما حرك الهواء من حوله.. لكن هذا الابتكار الحديث ما هو إلا تمهيد لسلسلة من اختراعات أكثر تطوراً قد تستخدم في المستقبل لهدف أكبر في مجالات أخرى بعيدة تماماً عن مجال اللعب والتسلية.‏

والقصد من كل ذلك أن يدخل محبو المغامرة إلى تجربة محسوبة الأبعاد تحقق إحساس التفوق، وتعزز الثقة بما يملكه هؤلاء من إمكانات مهما كانت متواضعة سواء على مستوى القوة الجسدية، أو القدرة الفكرية.. إلا أن واقع الافتراض هو الذي سيكون حاضراً بقوة في ثقافة الوهم والخيال. والأمر لا يقف عند حدود مثل هذه التجربة أو تلك بل إنه يتعدى ذلك ليصل إلى ايهام من ينجذبون إلى تلك التجارب والأفكار بأن المستحيل بات أقرب الى أن يكون محققاً أكثر من كونه مستحيلاً.‏

وهكذا تُحكَم دائرة الإحساس بالوهم حول أفراد يتحمسون لممارسات تتجاوز المألوف، وقد يتجلى أثر ذلك أيضاً في بعض السلوكيات الطارئة والتي قد تكون لها انعكاساتها في المجتمعات كتلك النجومية الوهمية التي يسعى إليها بعضهم من خلال متابعين وهميين على الصفحات الاجتماعية الافتراضية.‏

وما بدأنا نلاحظه في الآونة الأخيرة بتأثير كل ذلك هو حالة من (الفردانية) ـ ليس بمفهومها الفلسفي بل بمعنى الاستقلالية ـ تكاد تشبه حالات التوحد الـمَرضية وهي تصيب أفراداً في بيئاتهم يعيشون ضمن عوالمهم المنغلقة على أفكارهم وهي تتجلى في ممارساتهم.‏

لكأن الوقت سيسير بالناس ليصل بهم إلى مرحلة افتقاد كل ما هو حقيقي وله حرارة الواقع لا صقيع الوهم.. ولكن حتى هذا الأمر فهناك من اهتم به وأوجد له حلولاً ذكية ولو كانت جزئية.. ولو كانت للعب على رغائب عاطفية وإنسانية.. إذ حتى العناق قد يكون افتراضياً من خلال سترة تقوم باحتضان مرتديها وكأن عزيزاً يعانقه.. وعند ذاك لا يهم إذا كان الواقع هزيلاً إذ يمكن استبداله بحلول ذكية.. أو إن كان مزيفاً بادعاء القوة والتفوق فهناك ألعاب وسترات يمكنها أن تخلق واقعاً جديداً.‏

قد يزول الواقع المزيف عند بعض من اختبروه أمام أول اصطدام بالحقيقة.. بينما يستمر البعض الآخر في لعبته والتي قد تذهب به بعيداً حتى حدود الفضاء.‏

أما المغامرون فهم الذين عاشوا التجربة كأبطال الأساطير، وظلوا يطاردون أحلامهم، والاختراع من ورائهم يمدهم بكل ما هو آت.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية