تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السعودية بعد تركيا.. حصرم رأيته في حلب

صفحة أولى
الجمعة 22-1-2016
ناصر قنديل

- يستطيع أي مراقب للوضع الإقليمي أن يدرك حجم التراجع الذي أصاب الدور التركي، كما يستطيع انطلاقا من كون المناورة التركية في العراق ضئيلة الفعل لأن مداها وهامشها اقل من صناعة الحدث، أن يرى أن مقياس التقدم والتراجع في الحضور التركي

بعد سقوط حكومات الإخوان المسلمين التي صعدت في بدايات الربيع العربي، صار ما يحدث في سورية وحدها.‏

- تتابعت الأحداث العسكرية والدبلوماسية منذ إسقاط تركيا للطائرة الروسية، لتقول أن الدور السياسي لتركيا اختبأ وراء السعودية عبر مؤتمر الرياض لقوى المعارضة، وتلاشت المقاربة التركية الخاصة بإقامة المنطقة العازلة أو الآمنة، ومعادلة مقايضتها بطوفان اللاجئين إلى أوروبا، وميدانيا لا يحتاج المراقب أن ينتظر نهاية إقفال المساحة التي عبثت عبرها تركيا بالجغرافيا السورية عبر الحدود ليتحقق من أن الأمور تسير بهذا الاتجاه وتتدحرج نحو النهاية بتسارع يفوق التوقعات من ريف اللاذقية إلى جبلي التركمان والأكراد وصولا لريفي حلب الشرقي الشمالي والغربي الشمالي.‏

- وصول أمير قطر إلى موسكو وما عبر عنه وزير خارجيته من رهان على دور روسيا في الحل السياسي في سورية، ومن تطبيع للعلاقات الروسية التركية، ومن تمسك بعلاقات طيبة مع إيران، إشارات تمهيدية للتموضع التركي لا تملك الدوحة قدرة حمايتها من الغضب السعودي دون أن تكون تركية المنشأ أميركية التغطية.‏

- بقيت السعودية وحدها تحمل راية الإنكار في قراءة المتغيرات ومقاربتها، وها هي تغرق في حرب اليمن بلا أفق، ويسأم منها الحلفاء والخصوم ويتركونها حتى تصرخ طلبا للإنقاذ، وها هي بعد تصعيد هيستيري في العلاقة مع إيران ووهم قيادة الخليج ثم العرب ثم العالم الإسلامي لقطع العلاقات معها، تحصد الخيبة وبعض وساطات، أهمها من الحليفين الإسلاميين الأهم، تركيا وباكستان، فلا يبقى للسعودية إلا سورية ولبنان، ففي لبنان تتموضع على خط التلاعب بالاستحقاق الرئاسي عبر ترشيح يقوم به ممثلها سعد الحريري للعبث بتحالفات سورية والمقاومة، فتكون الرسالة الأميركية قطرية بترشيح مواز، يزيد العبث عبثا، لكنه يعطل التعطيل بالتعطيل، وهذا مثل سواه لا يكون بدون أن تكون يد واشنطن في الترشيحين، ولها فيهما ضمن حسابها مع المقاومة مآرب أخرى.‏

- تبقى سورية بيضة قبان الصراعات الإستراتيجية الكبرى في المنطقة، وقبان الأوزان الجيوسياسية للدول فيها، وفي سورية إنتقلت السعودية من صانع المشروع الشامل للتغيير والواقف في الظل، إلى قائد الخط الأمامي في الهجوم، إلى حامل حق الفيتو في خطوط الدفاع عن مشروع يتلقى الضربات، وصولا إلى شريك مشكوك بصدقيته في صناعة التسويات، ومع التراجعات الإجمالية التي أصابت مشروع التغيير في سورية، ستكون السعودية أكبر الخاسرين في الأوزان وفقا لمؤشرات القبان السوري، والجولة الراهنة هي جولتها بامتياز.‏

- تموضعت السعودية وراء ثلاثة خطوط يستحيل عليها الصمود، فهي تعاكس مسار المتغيرات الدولية والإقليمية، وتبدو كمن يكرر فعلته الفاشلة بثوب جديد واسم جديد، فتعيد ما فعلته تحت شعار العمل السياسي، وإظهار الواقعية عندما قامت بقيادة الدعوة لقطع العلاقات مع إيران وفي نسيج خيال صناع القرار فيها سيناريو يبدأ بقطع دول الخليج لعلاقاتها بطهران، يليهم العرب عبر قرار من الجامعة العربية، ويتوجهم المؤتمر الإسلامي بإخراج إيران من صفوفه كما اخرجت سورية من الجامعة العربية، فيصير ممكنا باسم هؤلاء جميعا مطالبة مجلس الأمن بوقف تنفيذ قرار رفع العقوبات عن إيران حتى تتعهد وتلتزم تطبيق القرارات الصادرة من مؤسسات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والنتيجة أن العقوبات رفعت والعلاقات لم تقطع، والأموال المحجوزة بدأت تتدفق على إيران، فالمعلوم إذن أنه حصرم رأته الرياض في حلب، وها هي تعيده عشية موعد انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بسورية.‏

- خط الحماية السعودية الأول هو جنيف 1 بدلا من التوافق الدولي الذي صار معه جنيف الأول وحتى نصوص فيينا مجرد مسودات تمهيدية لولادته فقدت قيمتها السياسية بعد صدور إطار قانوني للعملية السياسية في سورية هو القرار 2254، وسيحاول السعوديون ومن معهم من واجهات سورية الحديث كثيرا عن هيئة حكم انتقالي، حتى يكتشفون أن الدعوة لجنيف تتم تحت سقف التحضير لحكومة تشارك فيها المعارضة تحت ظل رئاسة الرئيس بشار الأسد وصلاحياته الدستورية، أما الخط السعودي الثاني فهو تفخيخ الوفد المعارض بحصر تشكيله بجماعة مؤتمر الرياض وضم رموز إرهابية مثل جيش الإسلام إلى مقدمة صفوفه، والرهان أن ترفض الحكومة السورية المشاركة في جنيف، وها هي الحملة ترتد على السعودية فيصير الضغط الدولي للمرة الأولى على السعودية وليس على سورية، ومحوره إبعاد جيش الإسلام من جهة، وتقاسم مقاعد الوفد المعارض بين مؤتمر الرياض وقوات سورية الديمقراطية حيث التمثيل الكردي، إضافة لتمثيل هيئة التنسيق عن المعارضة الداخلية من جهة أخرى.‏

- الخط السعودي الثالث هو الرهان على حماية فرنسية لجيش الإسلام ولمبدأ هيئة الحكم الانتقالي، والموقف من الرئاسة السورية، وتشكيلة الوفد المعارض، وفرنسا التي تراهن عليها السعودية، هي التي تتقن مع واشنطن في اعتراضاتها سياسة العروس التي تمانع الزواج وتقول لوالديها، (لا أريد العريس لكن ببكي وبروح).‏

- جولة ميدانية ستحسم مصير جيش الإسلام وتوازنات التفاوض، والجولة السياسية حسمها القرار الأممي 2254، والسعودية ستضطر في نهاية المطاف أن تجلس مع تركيا على مقعد واحد، عنوانه عنقود عنب فشلنا في قطافه، فلنقل أننا لم نكن نريده، فنردد “هذا حصرم رأيته في حلب”، أليست هذه لغة الثعالب؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية