|
الثورة
يومها وقبل ستة وثلاثين عاماً أي في حرب تشرين التحريرية اندفعت جحافل حماة الديار ليعيدوا لنا الزمن والتاريخ، وسير الأبطال وملاحم الأمة المجيدة، ورفدها بحاضر من التحدي البطولي وليثبتوا أن هذه الأمة لن تقهر وهي أمة قادرة على العطاء ورد العدوان وصنع النصر... يومها وقبل ستة وثلاثين عاماً كتب لنا الأبطال سفراً من الأمجاد وطريقاً لمستقبل أجيال أمتنا معاهدين أن هذه الأمة لن تغلب بعد اليوم.. فهي أمة قادرة على صنع النصر من خلال ثباتها وعزيمتها، لأن من يطلب الموت توهب له الحياة وما بطولات تشرين التحرير إلا درس بليغ، وقيم نضالية في الثبات والعطاء والبطولة... فكان يوم السادس والعشرين من حزيران من عام 1974 وقبل خمسة وثلاثين عاماً اليوم الذي رفع فيه القائد الخالد العلم العربي السوري فوق سماء المدينة التي دمرتها الوحشية الصهيونية، وكان رفع هذا العلم تتويجاً لبطولات قواتنا المسلحة الباسلة، وتضحيات شهدائنا الأبرار... فقد تحررت القنيطرة وعادت إلى الوطن الأم وعاد إليها أبناؤها .. تحررت مدينة القنيطرة التي بدت وكأنها مدينة أشباح.
فقد هدم المحتل الغادر بيوتها ودور العبادة، واقتلعت الأشجار، ونبشت المقابر، وعاث الغزاة في المدينة خراباً في محاولة لاقتلاع جذوة الحياة منها، في همجية لم يوجد لها مثيل في تاريخ الحروب... ففي أولى كلماته من القنيطرة قال القائد الخالد واصفاً لها «إذا كان أحد في العالم لم يعرف بعد من هي اسرائيل فليتفضل إلى القنيطرة ليرى أعمالها»، لكن عزيمة أبناء الجولان لم تثن، فالتحرير قادهم إلى التعمير، فمنذ لحظة التحرير دعا القائد الخالد إلى إعادة الحياة إلى هذه المدينة ورفع شعار «التعمير بداية التحرير» فبدأ دوران حركة الإعمار لإعادة الحياة إلى مادمرته آلة الحقد الإرهابية الصهيونية واستصلحت الأراضي، وتم الارتقاء بمتطلبات المواطنين لدعم استقرارهم وصمودهم. وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً لنتذكر أنه ومن خلال عدوان عام 1967 المدمر سقطت القنيطرة أسيرة الاحتلال، وعلى أثر حرب تشرين التحريرية تحررت من قيود الأسر الصهيوني، ولاتزال العيون عيون السوريين وأبناء الجولان على الأخص شاخصة ترنو إلى تحرير كامل الأراضي الجولانية المحتلة، وإن هذا اليوم ليس ببعيد.
إن ذكرى تحرير القنيطرة ورفع القائد الخالد حافظ الأسد العلم العربي السوري في سمائها خفاقاً يرنو إلى أرض الجولان المحتل الذي يقاوم أبناؤه الممارسات الصهيونية بعزيمة لاتلين، وتصميم على التحرير، ورفض لكل محاولات الضم والتهويد، فهاهم أبناء الجولان يتعرضون للسجن والتعذيب، والاعتقال تحت ذرائع متعددة ظناً من هذا المتعدي المحتل أن عزيمة الأبطال الصامدين فوق أرضهم وتراب وطنهم قد تلين. لقد كشف تحرير القنيطرة للعالم عن صورة ولا أبشع عن وحشية الاحتلال الصهيوني وهمجيته، فلا شك أن هؤلاء الصهاينة الحاقدين يعرفون جيداً قيمة تراب الجولان التاريخية والمعنوية، وأيضاً وزنه الجغرافي، فعلى أرضه كانت معارك حطين التي كانت جسراً لتحرير القدس من الصليبيين، وموقعه يمثل صلة الوصل والجسر بين فلسطين والشرق والجنوب، لذلك تعمدت القوات الصهيونية محو القنيطرة عاصمة الجولان عن خريطة المنطقة، ولكن هيهات أن يتحقق لهم مايريدون فها هي القنيطرة اليوم... عروس الجولان تعود لتضخ فيها الحياة من جديد ولتبقى جسراً للتحرير الشامل على أمد التاريخ. وأبناء الجولان الذين يرزحون تحت الاحتلال الصهيوني لم يعرفوا الخنوع بوجه الاجراءات الصهيونية التعسفية... هاهم صامدون متحدون كل القرارات الصهيونية.... يعبرون عن تمسكهم بهويتهم العربية السورية، يستندون في ذلك إلى إيمانهم الراسخ بعودة الجولان كاملاً إلى الوطن الأم سورية وإن العدو الصهيوني المحتل سيهزم ويطرد إلى غير رجعة كما اندحر في جنوب لبنان، وقطاع غزة. إننا في الذكرى الخامسة والثلاثين لرفع العلم العربي السوري فوق سماء القنيطرة المحررة نذكر المحتلين الصهاينة أن ظنهم قد خاب وإن أهلنا في الجولان يواجهون كل مخططاتهم بالتمسك بحقوقهم التي تزيدهم إيماناً وثقة وتمسكاً بهويتهم وانتمائهم لوطنهم الأم سورية. إننا ونحن نتذكر يوم السادس والعشرين من حزيران عام 1974 بكل شرف وكبرياء في مسيرة بلدنا الصامد، نذكر بكل فخر مواقف قطرنا الآن في وقت عزت فيه المواقف، فهاهي سورية اليوم تقف بكل كبرياء وشموخ مدافعة عن الحقوق العربية غير عابئة بالضغوط والتحديات، واثقة بنفسها وتماسك جبهتها الداخلية، لم تستسلم أمام الضغوط والطغيان ولم تبخل في تقديم كل ما تتطلبه المعركة مع العدو من تضحيات. وسورية حزمت أمرها بكل ثقة واقتدار على المضي خلف نهج السيد الرئيس بشار الأسد لمواصلة البناء الداخلي متلازماً مع النضال القومي لاستعادة الحقوق العربية المشروعة، ولعل النصر الذي تحقق في تشرين 1973 وانتصار المقاومة في جنوب لبنان وغزة، والصمود البطولي لأهلنا في الجولان وفلسطين، ونهج المقاومة المتصاعد ضد الاحتلال والعدوان، إنما هو عبارة عن حلقات انتصار متصلة تشكل منبعاً ثراً وإرثاً نضالياً، وإن يوم الانتصار على المحتل الصهيوني قريب وقريب جداً لأن إرادة صانعي انتصارات تشرين ستحقق النصر على الأعداء وتعيد الجولان كاملاً غير منقوص إلى وطنه الأم سورية. إن أبناء الجولان وهم يحيون الذكرى الخامسة والثلاثين لرفع القائد الخالد حافظ الأسد العلم العربي السوري فوق مدينة القنيطرة المحررة إنما يؤكدون تمسكهم بأرضهم وهويتهم وانتمائهم لوطنهم الأم سورية معاهدين السيد الرئيس بشار الأسد على مواصلة المقاومة حتى تحرير الأرض وطرد المحتلين الصهاينة هذا هو عهد أبناء الجولان كما هو عهد أبناء سورية كفاح ونضال حتى يتحقق التحرير الكامل والشامل للأرض لأن إرادة الشعب لا يمكن أن تقهر وأن الوطن فوق كل شيء وأن عودة الأرض المحتلة إلى الوطن الأم إنما تؤكد أن إرادة الشعب لن تقهر وسيظل يوم السادس والعشرون من حزيران عام 1974 راسخاً في أذهاننا وذاكرتنا لأنه اليوم الذي رفع فيه العلم العربي السوري خفاقاً عالياً فوق سماء المدينة التي تحررت من الأسر الذي كان مفروضاً عليها من قبل العدو الصهيوني. |
|