تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المقـــــاومة.. الأقــــــــدر على فرض شــــــروطــــها

شؤون سياسية
الخميس 25-6-2009م
عبد الحليم سعود

خطاب نتنياهو الاستفزازي والعنصري كان ردا مباشرا على الجهود المبذولة لاستئناف عملية السلام في المنطقة وبالأخص منها خطاب الرئيس الاميركي باراك أوباما

الذي ألقاه في الرابع من الشهر الجاري من على منبر جامعة القاهرة والذي أفرز في حينه أجواء إيجابية وأفسح المجال أمام إمكانية فتح صفحة جديدة رأى فيها البعض بداية التغيير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة التي من شأنها التأسيس لبدء مرحلة جدية كالتي سبقت انعقاد مؤتمر مدريد ذي المرجعيات المعروفة لعملية السلام.‏

ولكن فيما كان خطاب أوباما يحاول جاهدا تلمس الحلول لمشكلات المنطقة بإشارات وتعابير عامة تاركا المجال أمام الطرف الاسرائيلي لكي يفصل الحلول على مقاسه، فقد جاء خطاب نتنياهو قاطعا جازما لا لبس فيه حول استحالة أي حل مع الشروط التعجيزية التي راح يرددها هذا المتغطرس، محولا كل شيء إلى نقيضه معطيا كل المؤشرات السلبية التي تجعل من خطاب أوباما مجرد كلام في الهواء، أو في أحسن الأحوال مجرد غناء أميركي في طاحون اسرائيلي مضجر.‏

فخطاب أوباما تحدث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة دون تحديد مواصفات هذه الدولة، أما نتنياهو فقد أفاض في تحديد هذه المواصفات التي تجعل من الدولة الفلسطينية المزعومة مجرد دولة ميتة لا سيادة لها ولا جيش ولا سلاح ولا حدود معترف بها ولا عاصمة، لاحق لها لا في أرض ولا في سماء ولا مياه، مقطوعة عن العالم، ممنوعة من التصرف في أي شيء، لا تبرم المعاهدات ولا الاتفاقيات طبعا باستثناء ما يكرس منها حالة الذل والاذعان والتبعية لدولة الاحتلال، دولة منزوعة من كل مقومات الدولة لا يمكن أن يرتضيها فلسطيني واحد على وجه الأرض، دولة (ستغدو أضحوكة بين الدول) ليس لها وجود إلا في مخيلة الاسرائيليين القابعين في مزبلة التاريخ على شاكلة هرتزل وبن غوريون، دولة مخيمات تديرها الأونروا على أبعد تقدير، فعن أي دولة يتحدث هذا النتنياهو إذا كانت القدس خارج التفاوض، ومن أجل أي دولة سيفاوض الفلسطينيون إذا بقي اللاجئون الذين هجروا بقوة السلاح والارهاب الصهيوني خارجها، ومع أي دولة فلسطينية سيتعامل العالم إذا كان حوالي نصف مليون مستوطن اسرائيلي يتحكمون في مقدراتها من داخل مستوطناتهم الباطلة.‏

باختصار لقد أهال نتنياهو التراب فوق أوهام التسوية المزعومة وقذف بكرة اللهب داخل الملعب الأميركي والأوروبي والدولي وقبل كل شيء في الملعب العربي وبالأخص الفلسطيني، وأعطى دليلا إضافيا لا يقبل التشكيك بأن المجتمع الاسرائيلي الذي صوت لحكومة نتنياهو بكامل طاقمها العنصري لا يريد السلام ولا يريد أن يتخلى عن نزعته العدوانية الاستيطانية الاستعلائية، ولا يريد إعادة الحقوق إلى أهلها الشرعيين.‏

ويبقى السؤال الأساسي الذي يبحث عن أجوبة شافية ماذا بعد خطاب نتنياهو المرفوض جملة وتفصيلا.. فمن الواضح أن الطرف الأميركي لا يرى ثمة مشكلة في طروحات نتنياهو وقد رأى أوباما أن خطابه يمثل خطوة إيجابية لجهة إقراره بإقامة الدولة الفلسطينية التي ذكرت مواصفاتها العجائبية آنفا، ولكنه تحفظ على الشروط التي قال إنه يمكن تذليلها بالتفاوض، وأما الطرف العربي الذي لديه مبادرة سلام أصبحت في عالم النسيان فيبدو أنه سيجد نفسه أمام إرباكات جديدة ولا سيما أنه لم يحضر بدائل لهذه المبادرة في حال رفضها، أما وقد رفضها نتنياهو بالكامل وضرب بها عرض الحائط فليس ثمة بد من أن يجتمع العرب في قمة استثنائية يعلنون فيها موقفهم الرافض لهذا الخطاب العنصري من خلال خطاب يتمسك بالحقوق ويرفض الشروط الاسرائيلية، ويبدو أن البديل المناسب لهذه المبادرة بعد رفضها اسرائيليا هو توفير الدعم للشعب الفلسطيني في مقاومته المستمرة للاحتلال، والعمل على إعادة اللحمة والوحدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية لأنها الأقدر على فرض شروطها على العدو من خلال منطق وموقع قوة لأنه لا يستوعب سوى هذه اللغة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية