|
عن موقع «ALTERINFO» وهذا التفكير بعيد عني، إذ وبعد أن أمضيت ثلاثة أشهر في إسرائيل، أستطيع القول إن طبقة المفكرين الليبراليين الإسرائيليين الذين تحدثت إليهم حدثوني عن أمور مختلفة عن هذا التصور كثيراً، فالمرض والإعياء الشديد أصابا وسائل إعلام بلادهم التي لا تقدم ولو بالحد الأدنى التحقيقات الصحفية الموضوعية الصادقة ولا البحث النقدي الجاد، وهما الأساسان الضروريان لأي مجتمع حر. بالتأكيد إن الأمريكيين الذين لا يعرفون العبرية أو لا يشاهدون المعلومات المتلفزة الإسرائيلية يمكن أن يكوّنوا رأياً خاطئاً عن وسائل الإعلام بعيداً كل البعد عن حقيقة هذا الإعلام الذي يشوه الحقائق. فصحفهم اليومية الكبرى أمثال يديعوت ومعاريف وجيروزاليم بوست، وكذلك أخبارهم التلفزيونية جميعها تنحو كثيراً نحو اليمين كما الحال في وسائل الإعلام الأمريكية والتي تتجاهل أن تكشف حقيقة إسرائيل في ميدانها الإعلامي وعما يقال عنها إنها دولة ديمقراطية وحرة فإن جميع من التقيتهم تكلموا عن الفتور والاضمحلال اللذين اعتريا المعارضة الإسرائيلية خلال الأعوام الأخيرة بالتوازي مع اختيار حكومات يمينية أكثر فأكثر. ووصلت إلى قاعها في الحرب الأخيرة على غزة، وأقدم هنا مثالاً مصغراً عما تشهده إسرائيل مما عاينته بنفسي في مدينة برشيفا في جامعة بن غوريون. أوقفت الشرطة منذ بضعة أيام الطالبة في الدراسات العليا في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون نواسلور بناء على طلب من أمن الحرم الجامعي واعتقلت لفترة وتهمتها توزيع مناشير تعارض مشروع قانون معروض أمام الكنيست يعتبر أن أي إحياء لذكرى النكبة عند الفلسطينيين هو جنحة يعاقب عليها. وقد تحدث طلبة وأساتذة جامعيون عن أمثلة عن المضايقات السياسية التي يمارسها أمن الجامعة، وحدثتني الطالبة سلور أنه وخلال إلقاء القبض عليها. قال لها أحد عناصر الأمن: (اسمعي لا تدعّي البساطة والسذاجة، لقد شاهدتك في مظاهرات سابقة، كل شيء عندنا مسجل ومكتوب وموثق). ورغم أنني كنت أوزع المنشورات خارج حرم الجامعة اتهموني بأنني كنت أوزعها داخل الحرم مخالفة بذلك القانون الجامعي الذي يحظر توزيع المنشورات داخل الحرم الجامعي. وخلال الحرب على غزة كانت تقمع المعارضة أينما كانت في إسرائيل وأكدت نيتزا بيركوفيتش الأستاذة في علم الاجتماع في جامعة بن غوريون (لقد كانت وسائل الاعلام معبأة بشكل كامل وكان ثمة دعم من جانبها للحرب). وبعد فترة قليلة من اندلاع الحرب على غزة نظم عدد من الشبان في المدينة تظاهرة سلمية ضد هذه الحرب ولكن وعلى الفور حضرت الشرطة وفرقتهم وحين انزالهم للافتات اعتقلت الشرطة عدداً منهم واخذتهم في سيارات موجهة لهم تهمة (التمرد). وكانت ثمة مظاهرة أخرى في منتصف شهر كانون الثاني وكانت تلك أكثر اعتدالاً وفيها بضعة أشخاص يحملون لافتات يدعون فيها إلى السلام وانتهاء العنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ونفس الشيء وصلت أعداد من الشرطة تفوق عدد المتظاهرين وعملوا على ضربهم واعتقال عدد منهم، حتى أن طالباً هو ران تزوريف وضعوه في الإقامة الجبرية لمدة شهر. وإن كان القمع الوحشي ضد المواطنين الفلسطينيين هو اجراء متأصل بعمق في الممارسات الإسرائيلية إلا أن الأحداث الأخيرة دلت أنه حتى الإسرائيليين ليسوا مستثنين من القمع. وقد حدثني تزوريف (كنت في تظاهرة احتجاج في الأراضي المحتلة وتصرفت الشرطة هناك على غرار ما تتصرفه هنا، لقد صعقني أن أرى شرطة مكافحة الشغب تأتي إلى الجامعة وتهاجمنا لمجرد تظاهرنا، وهذا ما كان ليحصل في السابق أو لم يكن يحصل بهذا الحجم). الأستاذة بيروكوفيتش قالت: نشعر مع الذي يحصل معنا وكأننا نعيش في ظل ديكتاتوريات أمريكا الجنوبية، لقد أعطيت أوامر تعسفية لاعتقال عدد من الأشخاص لدب الرعب في قلوبهم وقلوب الآخرين. وحدثتنا أنه وخلال تظاهرة في شهر كانون الثاني كان العديد من المارة أمام التظاهرة يصرخون بعبارات مشينة ضد المتظاهرين ويصفونهم بالخونة ويقولون لهم كلمات مثل (اليهود عليهم قتل المزيد من العرب، ضمن مناخ من الكره لم أشهد مثيله في حياتي). وهذا النزوع مثير للقلق ولا سيما مع استلام حكومة من أقصى اليمين المتطرف السلطة في تل أبيب، المصممة على التملص من اجراء أي مفاوضات جدية مع الفلسطينيين وتشجيع توسيع المستوطنات، وكذلك تدل جميع المؤشرات على تحضيرات تعدها لشن حرب على إيران وتزكية الذهان الهذياني لدى الإسرائيليين في هذه الجبهة، هؤلاء الذين صاروا ينظرون إلى المواطنين العرب أنهم خطر يتهددهم، وعدو لهم في الداخل، تلك هي تناقضات أمة تدّعي أنها يهودية وديمقراطية في آن واحد. كيف يمكن لأمة تحبس /4/ ملايين فلسطيني خلف جدران عزل عنصرية وتقيم طرقاً التفافية وتفرض حصاراً وتعامل مليوناً ونصف المليون شخص كمواطنين درجة ثانية أن تكون ديمقراطية؟. وصف الأستاذ في الجغرافيا في جامعة بن غوريون أورف يفتاشل إسرائيل بدولة (اثنيقراطية) وهو عنوان لكتاب صدر له. |
|