|
لقاء الاسبوع والعرض المذكور ضم مجموعة كبيرة من أعمال الفنان تلخص تجاربه والمراحل التي مر بها ابتداءً من مشروعه المقدم في أكاديمية الفنون بالزمالك وحتى اليوم. ليضع الفنان أمام الجمهور أعمالاً انتجت خلال خمسة عقود وهذه فرصة كبيرة للمهتمين والمتذوقين والنقاد، وبهذه المناسبة تحققت هواجسي في لقاء الفنان نبعة، وكان الحوار التالي: لنتحدث عن البدايات، ماذا منحتك دمشق؟ إن حصولي على الشهادة الابتدائية كان بمثابة بطاقة للخروج من عالم القرية الريفي - المزة - إلى عالم المدينة دمشق ومقدمة لمتابعة دراستي الإعدادية والثانوية وتعرفت في قاعات الصفوف والباحة الواسعة لمدرسة التجهيز الأولى على الصداقات والأدب والشعر والأفكار والانتماء، وفي مرسم هذه المدرسة عرفت الفنان ناظم الجعفري، فكان المعلم الأول الذي بدأت عنده بالتعرف على استعمال الخامات وقلم الرصاص، أصابع الفحم، الألوان المائية، الألوان الزيتية، أنواع الورق، القماش وتحضيره، وكنت أتعلم الرسم بشكل علمي ومدرسي، وكان استاذنا يشيع بشخصيته الصارمة جواً من الجدية والاحترام في مرسم المدرسة، ما ساعدنا على استيعاب ملاحظاته وتعاليمه المكثفة، كان يعلمنا درساً ثميناً في تقديس العمل واحترام الفن، وبعد مدة من الزمن سمح لي بدخول مرسمه الخاص في شارع بغداد، فكنت حينها أهبط الدرجات القليلة في مدخل المكان متهيباً كما لو أنني أدخل معبداً، وكنت أحمل إليه ما أنجزه من رسوم ليبدي ملاحظاته القليلة والهامة، وأحيانا يسعفني الحظ فأرى لوحة جديدة يعمل بها مرفوعة على الحامل، وعندها يضبطني أنظر إليها خلسة، يبتسم ويشير إلى ما حقق فيها من إنجازات فنية في التقنية واللون والتعبير. كان النصف الثاني من عقد الخمسينيات في دمشق زمن الصراع الفكري والسياسي إضافة إلى أنه زمن خصب لازدهار الحركة التشكيلية السورية بعد الاستقلال الوطني، ومع النهوض القومي تتحرر أكثر الأقطار العربية من الاستعمار، ولم يعد النشاط الفني يقتصر على معارض بعض الجمعيات الخاصة (الجمعية السورية للفنون) أو نشاط رسمي دوري، كالمعرض السنوي الذي يقام في المتحف الوطني كل عام، كما أن الحركة التشكيلية السورية لم تعد أسيرة لما تركه الاستعمار الفرنسي من ثقافة (المدرسة الانطباعية) بل تبلورت تجارب الفنانين وكشفت عن حركة تشكيلية غنية بمدارسها وإبداعات فنانيها المبتكرة والمتميزة. بدأت أرى أعمال محمود حماد المستوحاة من الحرف العربي ولوحات أدهم اسماعيل التي تعتمد في بنائها على الخط اللانهائي للرقش الإسلامي، ولوحات أخيه الأصغر نعيم اسماعيل الذي استلهم مواضيعه من الزخارف الفولكلورية السورية. في لوحات هؤلاء بدت لي أفق الفن أوسع وأرحب ثم ابتدأت الحداثة تأخذ مكانها وتترسخ بأسماء مهمة مثل فاتح المدرس ومروان قصاب باشي وبرهان كركوتلي والياس الزيات، بل بدأت أعمالهم تستحوذ إعجاب النقاد ولجان التحكيم وتنال الجوائز والتقدير. كانت هذه الفترة الدمشقية بالنسبة لي مرحلة التأسيس، فيها تعلقت بالفن، وفيها تكونت لدي القناعة بدراسته واختياره كطريق في الحياة. هذه دمشق الجذور التي أوحت محبتها بمجموعة من اللوحات في السبعينات سميت بالدمشقيات والتي كانت بمثابة قصيدة غنائية طويلة إلى دمشق الأم، الأخت، الحبيبة والمدينة، ظهرت بها دمشق في شخصيات الميثولوجيا كعشتار أو في الملاحم والسير الشعبية أو سيدة الحسن والجمال وأحياناً باسمها مباشرة، شام، دمشق. كنت أحلم أيامها بلوحة تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز جموع الجمهور التي تتكرر في حفلات الافتتاح لأي معرض، ومنذ البداية لم يستهوني تشخيص (الموديل) لاعتقادي بأن فنوننا القديمة (ما بين النهرين - تدمر - الساحل السوري - الفن الفرعوني - الفن الإسلامي) لم تحفل بفن الصورة بل بفن (التصور) إن أمكن إطلاق هذه التسمية عليها. لذلك فهي فنون تعبر عن الأمة وجمالياتها وشعورها الجمعي، فكأنها إنتاج جماعي خال من التواقيع التي تنسبها إلى أفراد، كان ذلك حتى ظهور الفن الإسلامي وإلى أن ظهرت (لوحة الحامل) في القرن التاسع عشر كشكل قادم من عصر النهضة في الغرب، كانت جماليات لوحة الدمشقيات مبنية على هذا الفكر كأرضية للتصور وأبدأ باللون الذي يملأ سطح اللوحة بنزق العاطفة الغامض، ثم أحاول استنباط التشخيص من تلك الفوضى اللونية المليئة بالإشارات، بحذف الأشياء الأقل أهمية وتأكيد الأهم، ثم هناك بعض التفاصيل والرموز التي غالباً ما تكون خاصة بي أو أشياء حميمية في حياتي، أظل أعمل وسط هذا الصراع الدائر بين العقل والعاطفة حتى أشعر أن نسيج مكونات اللوحة قد اكتمل، واقترب من التعبير عن صورة المخيلة، وصار من الممكن لتلك اللوحة أن تقدم نفسها للناس. وماذا عن إقامتك في القاهرة، من المؤكد أن لها لوناً آخر، كذلك باريس؟ ما زلت أذكر ذلك الإحساس الذي غمرني بعيد هبوط الطائرة على مدرج مطار القاهرة وذلك بعد حصولي على منحة لدراسة الفن في كلية الفنون بالزمالك، إذ كان إحساساً غامراً من النشوة والفرحة. وأذكر بدقة باب الخروج وذلك الفضاء الفسيح والأفق الواسع، والشمس المشرقة تغمر كل شيء، في ذلك السهل المنبسط اللانهائي الامتداد وكانت أشجار النخيل في الأفق تصل الأرض بالسماء. من نافذة السيارة التي أقلتنا إلى المدينة تتابع المشهد، ها هو حي مصر الجديدة بعماراته الإسلامية الجميلة يعلن أننا في ضواحي القاهرة، ثم ندخل القاهرة بجوار عماراتها العريقة ومآذنها الشاهقة ونيلها العظيم، وكانت وجهتنا إلى حي الدقي، لأقيم عند بعض الأصدقاء السوريين ممن سبقوني لدراسة الموسيقا في القاهرة، كان ذلك بالنسبة لي ولادة ثانية، بعدها بدأت بالتعرف على القاهرة والدخول إليها من بوابة كلية الفنون بالزمالك، ذلك الحي الجميل القابع في أحضان خمائل النيل، تلك الحدائق بأشجارها الباسقة جنة رومانسية تجسد أشعار (علي محمود طه) و(أحمد رامي). قابلت عند باب الكلية (عم حسن) ذلك النوبي النبيل بعمامته البيضاء وشاربه الأشيب يجلس على كرسيه الخشبي بجلال تمثال فرعوني، ثم (عم حسنين) يعتمر البيريه الأزرق، يوزع الرسائل كما يوزع شتائمه المحببة على الطلبة، لم تكن الدراسة في كلية الفنون دراسة أكاديمية جامدة، بل كان أساتذتنا يأخذون بيدنا نحو الجديد في الفن والثقافة إلى جانب التعليم الأكاديمي، وكان لي الشرف بأن أتتلمذ على يد فنانين كبار منهم حسين بيكار، عبد العزيز درويش، عبد الهادي الجزار وحامد ندا، وكان أفق الفن ودنياه يتسعان أمامي من انطباعية حسني البناني الغارقة في عرس من الألوان والأضواء واللمسة الرشيقة إلى بنائية التكعيبيين في تعاليم عبد العزيز درويش العاشق (للعم سيزان) كما كان يدعوه أبو التكعيبية وأبو الفن الحديث، ولم أشعر بالغربة أمام الأجواء السوريالية التي كان يبدعها أساتذة مثل عبد الهادي الجزار وحامد ندا وعندما رأيت أعمال الفنان السكندري محمود سعيد في مبنى البلدية في الاسكندرية وبمرسمه أيضاً أحسست بالهوية المصرية أكثر من كل الذي رأيته قبل ذلك من أعمال، إن أعماله تتنفس مصريتها من الروح البسيطة والصادقة التي تبدعها بعيداً عن تثاقف النظريات والشعارات. كانت فترة الستينيات في القاهرة تحفل بتلك الروح التجريبية الخصبة التي كانت تربة صالحة للابداع، ومن حسن حظي أنني عشت ذلك الثراء الثقافي الذي عم كل الفنون والآداب. كانت برامج دار الأوبرا تحفل بإبداعات عالمية (مسرح البولشوي) وأعمال تشايكوفسكي (بحيرة البجع)، وأعمال خشادوريان (رقصة السيوف)، كذلك أعمال موسيقية مصرية لكل من (أبو بكر خيرت وعبد العزيز الشوان) إضافة لولادة المسرح القومي والمسرح الغنائي وحضور مسرح البالون ومسرح العرائس. وأما بينالي الاسكندرية فكان احتفالية عالمية للفنون التشكيلية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط تتكرر كل سنتين مرة، وهناك صالون القاهرة ومعارض تشكيلية عربية وأجنبية، كذلك الانعطاف الفكري المهم في مضمون الإنتاج السينمائي والذي كان واضحاً بجلاء، إضافة للنهوض الشامل في حركة النشر، وازدهار الرواية والقصة القصيرة وظهور مجلات خاصة بالآداب والفنون، في هذه الأجواء قابلت فنانين كباراً تعلمت منهم البساطة والتواضع قبل أن أتعلم منهم الفن، قابلت كتاباً كباراً كانوا يجلسون في مقاه شعبية يقيمون حواراً مع الأجيال الجديدة بمحبة وسماحة نادرة. كانت القاهرة الأم الثانية التي علمتني أن مسألة الفن والثقافة هي موقف وطريق قبل أن تكون مهنة، وأعترف بأن أعمق صداقاتي على مدى العمر ولدت في أحضان القاهرة الحميمية، وهذا ما يشدني باستمرار للعودة إلى هذه المدينة وأجوائها الرائعة. وأما عن باريس فربما كان السفر إليها في بداية السبعينيات فرصة أتت في محلها، للخروج من تلك الصورة القائمة لفترة ما بعد النكسة، وقد شغلتني الدراسة الثانية التي دفعتني للسفر إلى باريس، وكانت مواجهة ضرورية ومهمة مع الثقافة الغربية، فباريس قدمت لي بسخاء الفن العالمي من خلال المتاحف الغنية بالتراث الإنساني الكلاسيكي كمتحف اللوفر أو المتاحف التي تحتوي الفن المعاصر (متحف الفن الحديث) ومتحف الانطباعيين، ثم من خلال المعارض الشاملة لفنانين عالميين معاصرين أمثال فان غوغ- ماتيس- ماكس إرنست- سلفادور دالي- فرنسيس بيكون وغيرهم. أرى هذه الابداعات الإنسانية أمام ناظري وليس من خلال الكتاب أو المجلة والجريدة كانت بمثابة مجالسة للفنانين أنفسهم، وغالباً ما كنت أقوم بكتابة مقاله حول أي معرض أزوره، ونشرت هذه المجموعة من المقالات في مجلة الطليعة السورية ما بين 1971 و1974 ولعل حسن حظي تمثل في ذهابي إلى هذه المواجهة الثقافية بعد أن اشتد عودي على أرضي وتبلورت تجربتي وأفكاري في دمشق والقاهرة، فلم أكن طرياً فأنبهر وتبتلعني أضواء الغرب، كما لم أكن متعصباً لما حققته من إنجازات فأفقد تلقي هذا الجو الفني والثقافي الفني والرائع الذي تذخر به باريس، أما بالنسبة للدراسة الثانية في المدرسة الوطنية العليا (بوزا باريس).فقد كان مشواراً يومياً جميلاً بين الضاحية الغربية لمدينة باريس التي سكنها قبلي عمالقة مثل كاند نسكي ورودان، وبين باريس نفسها. هذا ما أعطاني فرصة يومية لأقضي نهاري بين المتاحف وصالات العرض في باريس ومعارضها ومكتباتها، في هذا المشوار حاولت أن أكون فيه مجداً في تحصيل ما ينقص من ذلك الينبوع الثري وكان ذلك نافذة واسعة الأفق للاطلاع والتأمل والعمل، وكان عملي يدور في تجاوز ما تمكنت من تحقيقه سابقاً من انجازات فنية خلال الفترة السابقة من تجربتي الفنية. بين العمل في الفن وتدريسه حالة معينة يعيشها الفنان، لو تحدثنا عن هذه التجربة الخاصة بالتدريس؟ ربما كان التدريس في مجال الفن أحد الأحلام التي تعبر عن رغبتي بالتشبه بمن أحببته من أساتذتي أو ربما كان حب ما كانوا يتميزون به من السماحة والعطاء والفن.أو ربما لأن المسألة هي حوار بين الأجيال والذي يتم بهذه الطريقة (التدريس). في البدء كانت تنشأ بيني وبين طلابي صداقة تجتاز كل المسافة بيننا، ثم يبدأ ذلك التفاعل المجدي عن طريق الحوار والعمل وكنت أشعر بنفسي كصائغ بين يديه أحجار كريمة ثمينة لكل صفاته ولونه وإشعاعه الخاص. وكانت غاية سعادتي أن أتمكن من إظهار الشخصية الخاصة لكل منهم وانصافهم وانتزاع الشوائب العالقة بهم إن وجدت. وكان التقارب بيننا على جميل من العمل والصداقة الفنية المثمرة التي لا تنقطع بتخرجهم بل أعتقد أنها تستمر مدى العمر. من الواضح أنك تهتم إلى حد كبير بالأساطير، كذلك بالحياة الشعبية، ما الدوافع إلى ذلك؟ بعد التخرج عام 1964 عينت في محافظة دير الزور لتدريس التربية الفنية، وهذه المدينة غارقة في خصوبة نهر الفرات وبساتينه وخمائله ذات الأشجار المثمرة والأشجار التي تكسو ضفتيه بجو احتفالي غامض مليء بالأسرار، وإحساس اسطوري يزيد رهبة النهر الكبير الذي يسير بصمته وأسراره يقطع سهول الشمال نحو الشرق، في ذلك الوقت وبعد مدة وجيزة وجدت نفسي مغموراً بالأجواء التراثية القديمة لمدينة ماري ومدينة تدمر والرصافة، كانت المنطقة تحتوي في جنباتها على عمق الماضي العريق وجلال الطبيعة المليء بالأسرار والخيال، وهناك في فضاءات السهول الشاسعة لبادية الجزيرة وبادية الشام كنت أجد نفسي وحيداً بين السماء اللانهائية والأرض على مد النظر، عرفت التوحد مع الكون وبدأت علاقتي بالأسطورة، ذلك أن وادي الفرات غني بأساطيره الآتية من الميثولوجيا القديمة، كما هو غني بالملاحم والحكايا القادمة من أعماق الصحراء، مناخ غني دفعني للخوض في تجربة استلهام الأساطير والملاحم الفراتية، أبحث في أجوائها عن طريقة للتصور والتصوير. كيف ترسم الشخصيات وملامحها بالكلمات والجمل، كيف تعبق المشاهد والأجواء بمضمونها الفكري والجمالي؟ رسمت (ننليل، وعشتار، وكاهنة مردوخ)، أيضاً رسمت (سيزيف) وست الحسن والجمال)، (خسوف القمر). إن هذه الشخصيات والمشاهد الأسطورية لم يكن يعنيني من رسمها صنع صورة الحكاية أو صورة توضيحية للنص الأسطوري أو الملحمي بقدر ما كانت غايتي ابتداع شكل بصري لرموزها ومعانيها وعلاقة ذلك بالحاضر المعاش. كيف للفنان أن يتناول قضايا الإنسان العامة وخاصة قضايا الإنسان العربي المعاصر؟ وما المواضيع التي عملت عليها في هذا الإطار؟ يوجد دائماً وراء العمل الفني فكر يفصح عن انتماء الفنان الذي قام بإبداعه، والإنسان وقضاياه جوهر أغلب الإبداعات الفنية والأدبية. وقضايا الإنسان العربي المعاصر لا تنحصر في الموضوع فقط بل هناك قضايا تغيير الواقع نفسه ومساهمة الفن فيها. شكل الشارع الذي أصبح أحد عناصر التلوث البصري، وشكل الكتاب والمطبوعات التي تلامس يومياً بصر الإنسان، إذاً لا بد من العمل على توسيع أفق الإبداع الفني وكسر كل القيود التي تحد من حرية الإبداع، وصولاً للقضايا المعاشة التي لا يمكن أن يتغاضى الفنان عن تأثيرها في عمله الفني وإلا أصبح كائناً قادماً من كوكب آخر. بعد حرب 1967 التي كانت خيبة مؤلمة ملأت النفس بالإحباط والحزن العميق، لم يكن قراراً أني انتقلت إلى الموضوع السياسي المباشر في تلك الفترة ولكنني وجدت نفسي مشدوداً لشخصية الفدائي الفلسطيني التي ظهرت بعد الحرب (كمنقذ من الخيبة والإحباط)، ما جعل معظم إنتاجي في تلك الفترة يدور حول هذه الشخصية فكانت مجموعة من الملصقات عن القضية الفلسطينية. كما كانت مجموعة الرسوم عن شعر الأرض المحتلة مستوحاة من قصائد سميح القاسم، محمود درويش، توفيق زياد، سالم جبران وراشد حسين. رافقت هذه الرسوم الشعر الفلسطيني على صفحات المجلات والجرائد في كل البلاد العربية، كما كانت هناك مجموعة من اللوحات عن النابالم، السلاح المحرم دولياً الذي استخدمته «إسرائيل» في حرب 1967، وبعض المواضيع الأخرى مثل قصف مدرسة (بحر البقر) وهي مدرسة أطفال مصرية قصفتها طائرات الفانتوم الإسرائيلية واختلطت دماء الأطفال بكتبهم وبتراب أرض المدرسة. وضمن هذا السياق أصل إلى مجموعة لوحات تحمل اسم (المدن المحروقة) وأقصد بها: بغداد- بيروت- قانا- جنين- غزة. لم أصور بها ملامح هذه المدن بل صورت ملامح الاحتراق الداخلي والحزن العميق في الصدر يملأ فضاء اللوحة. تتصدر المرأة لوحات متعددة ذات عناوين مختلفة، كرمز ربما، هل المرأة مادة تمنحك القدرة على التعبير؟ المرأة هي الوجه الذي يفتح الطفل عينيه عليه، الوجه الذي يفتح الكون أمامه، وهي النصف الآخر من المخلوق الذي طغت فيه مكونات الأنوثة فكانت الأنثى، يسعى إليه لتكتمل المعادلة بين الذكر والأنثى، هذه الثنائية التي بني الكون عليها أساسها (الحار والبارد- الليل والنهار- الأحمر والأخضر- الأسود والأبيض- السماء والأرض..). هذا الوجه مفتاح الوجود تتتالى خلاله آفاق التعبير ومعانيها ورموزها وصورها، هذه هي المرأة في عالم الصور والتصور الخاص بي وخلاله تتجسد في لوحتي كسيدة للحسن والجمال أو صورة لعشتار، الخصب والخير، أو الشام إلى ابنة الجيران ذات الوجه الذي يرسم دائرة القمر. عندما قمت بعرض تجليات تلك الأعمال التجريدية لأول مرة، وجدتها كمتذوق أكثر إثارة من اليوم، إلام تعزو السبب برأيك وماذا تقصد بالتجليات؟ أجد أن الجزء الأول من السؤال يجب أن يوجه إليك فلايمكن أن أنجم بالنيابة عنك في أحاسيسك أما الجزء الثاني وهو عن قصدي بالتجليات فأقول: يتجلى الكون بمفردات تتوالد وتتشكل بحياة لا نهائية هي أشبه بتوالد مفردات الرقش الإسلامي البديع بعضها يولد من بعض، إن الجرف الصخري الذي استوحيه في لوحة التجليات بنتوءاته النافرة والغائرة يكون فضاء متغير الصور خلال ساعات النهار منذ انبثاق النور في الفجر وحتى يغمر الليل بسواده وغموضه كل الأشكال وكل الصور، ويظل نفس المشهد يتجلى خلال الأيام والفصول عن صور لا نهائية، إن تأملي في هذا المشهد أعطاني فكرة المنظر التأملي الذي بنيت عليه فضاء لوحة التجليات، في هذا الفضاء أدعو المشاهد أن يرى موضوعه هو، وهو بهذا يشاركني في صنع لوحته في لوحتي لأن هناك دائماً نافذة أخرى للرؤية. من الفنانين من يلجأ إلى التبسيط والاختزال ومنهم على العكس من ذلك يدخلون إلى التفاصيل، لماذا تركز على أدق التفاصيل؟ تعلمت ذاك وأنا طفل أتجول مأخوذاً بتلك التفاصيل النباتية والورود التي تتوالد خلال تشابك الأوراق والأغصان في سجادة عرس أمي الممدودة في غرفة الضيوف في بيتنا، هذه النزهة المتجددة والمتكررة في تلك الحديقة مازالت متعتها ترافقني حتى الآن. ومازالت تلك الصفحات العشر التي قرأتها في وصف الغروب في رواية (الأيام) لطه حسين، ذلك السرد الجميل للتفاصيل وهي تتوضع في المخيلة تفصيلاً وراء الآخر، ترسم صورة الغروب مازالت تعلمني التصور والتصوير وإعطاء الصور كياناً مادياً على سطح القماش من خلال الخط واللون. وتعلمت من ذلك أن أي جزء من سطح اللوحة هو بنفس الأهمية لبقية الأجزاء في كل فضاء اللوحة لأنه يقوم بدوره الضروري في بناء اللوحة، بمعنى أن اللون الحار لايظهر دون وجود البارد، وأن الأسود هو الذي يؤكد الأبيض كما أن الأساسي لايكون أساسياً في اللوحة دون وجود الثانوي. كيف ترى الأسلوب كمفهوم في التشكيل؟ هناك من يفهم الأسلوب على أنه ملامح خاصة في اللوحة تأتي خلال طريقة تآلف الأشكال والأشخاص ورصف الألوان أي خلال إنجازات وقيم حققها الفنان وأصبحت تحدد معالم إنتاجه من ناحية التفكير في الألوان والأشكال وطريقة التعامل معها. كان هذا المفهوم مبرراً في الفنون القديمة (الآشوري- الفرعوني- التدمري- السومري- وما قبلها) الأسلوب كان أسلوب الجماعة حتى إن الفنان لم يكن يوقع على أعماله وكان يقوم بدور المؤدي وكان الفن تعبيراً عن الذوق العام للمجتمع وكان الفنان في الحقبة الكلاسيكية يقوم بإنجاز المرحلة الأخيرة من أعماله وأما المراحل الأولى فكان يقوم بها تلامذته، لذلك كانوا بحاجة لأن يكون هناك منهج لطريقة عمل الفنان يحدد ألوانه وأشكاله وطريقة التعامل معها من ناحية التأليف والخط واللون بما يمكن المعلم من إنجاز المرحلة الأخيرة ووضع اللمسات النهائية والتوقيع عليها باسمه. أما بعد ذلك ومنذ الانطباعيين وبعدهم «الوحشيون والتعبيريون» فقد أصبح مفهوم الأسلوب أكثر فردية وأكثر قرباً من شخص الفنان نفسه. الفنان في سطور - دمشق 1938 - 1952 يعرض أول لوحة وهي مائية في المعرض السنوي بالمتحف الوطني بدمشق - 1968 الجائزة التقديرية - بينالي الاسكندرية الدولي - 1968 عمل معيداً في كلية الفنون الجميلة - رسوم العدد الأول من مجلة فلسطين الثورة وما تلاه - رسوم مجلة الطليعة - رسوم مجلة أسامة للأطفال (رسم غلاف عددها الأول) وهي أول مجلة تصدرها وزارة الثقافة للأطفال - أحد أعضاء جماعة العشرة التي أعلنت عن نفسها في معرضها الأول عام 1970 - 1989 الجائزة الفضية - المعرض الدولي السادس لرسوم كتب الأطفال - اليابان - 1995 جائزة لجنة التحكيم - بينالي القاهرة الدولي - 2005 وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة - عدد كبير من المعارض في أماكن مختلفة عربية وعالمية |
|