|
ساخرة وقد اختلفت مواقفهم منه بين محب كالأمين، وغير معجب كالمأمون. وحين آل الأمر إلى المعتصم طلبه، فانحدر إليه من البصرة حيث أقام أيام المأمون، وفي هذه المناسبة ألقى قصيدة مديح طويلة بين يدي المعتصم، فحين فرغ منها، طلب إليه المعتصم أن يدنو منه. ودنا الشاعر من المعتصم، فملأ فمه جوهراً، من جوهر كان بين يديه. ثم أمره أن يخرج الجوهر من فمه، وأمر أن ينظم ويدفع إليه، ويخرج إلى الناس، وهو في يده، ليعلموا موقع الشاعر من رأيه، ومكانته في نفسه، ولم يقف المعتصم عند هذا الحد، بل أمر له بألف درهم لقاء كل بيت، وقال له: - يا حسين- أنت تعلم أن هذا أكثر ما مدحني به مادح في دولتنا. فقبّل الشاعر الأرض بين يدي الخليفة وشكره وحمل المال معه.. بعد هذه المناسبة، تغيرت أحوال الحسين بن الضحاك تماماً، بل إنه أمسى من ندماء المعتصم «يغشى مجالسه، ويدخل داره ويعرف دخائل نفسه فيلتمس ما يرضيه ويصوغه شعراً يطرب، فيأمر أن يتغنى فيه..» (1) ولما كان المعتصم رجلاً جاداً، تشغل أمور الحرب مع الروم حيزاً كبيراً من تفكيره، فإنه لم يكن ليهتم كثيراً بمجالس اللهو والشراب، ولكن يبدو أن الحسين هفا هفوة في إحدى هذه المجالس، فقال للمعتصم: والله لأؤدبنه. وحجبه أياماً، فكتب الحسين يسترضيه: أصبحت معتصماً.. بمعتصم غضب الإمام أشد من أدبه وقد استجرت وعذت من غضبه أصبحت معتصماً بمعتصم أثنى الإله عليه في كتبه لا والذي لم يبق لي سبباً أرجو النجاة به سوى سببه مالي شفيع غير حرمته ولكل من أشفى على عطبه وعندما قرأ هذا الشعر على المعتصم بحضور ابنه الواثق، التفت إليه وقال: بمثل هذ الكلام يستعطف الكرام. ما هو إلا أن سمعت أبيات الحسين هذه حتى أزلت ما في نفسي عليه. و.. الواثق.. من رأي أبيه وقال الواثق: هو حق أن يوهب له ذنبه ويتجاوز عنه. فرضي المعتصم وأمر بإحضاره (2). ولما بنى المعتصم مدينته «سُرَّ من رأى» أو «سامراء» أقطع الناس الدور فيها ليبنوها وموضع الدار كان يدعى : خطة. ويبدو أنه نسي الحسين بن الضحاك، فدخل عليه هذا وأنشده قائلاً: الحسين.. في منزل قرب المعتصم يا أمين الله لا خطة لي.. ولقد أفردتَ صحبي بخطط أنا في دهياء من مظلمة تحمل الشيخ على كل غلط صعبة المسلك يرتاع لها كل من اصعد فيها وهبط بوّني منك كما بوأتهم عرصة تبسط طرفي ما انبسط أبتني فيها لنفسي موطناً ولعقبي فرطاً بعد فرط لم يزل منك قريباً مسكني فأعدلي عادة القرب فقط كل من قربته مغتبط ولمن أبعدت خزي وسخط فأقطعه داراً.. وأعطاه ألف دينار ليبنيها. وهكذا أقام الحسين في منزل مجاور لقصر الخليفة. وربما كان هذا، وراء شعور الحسين بأن «سرّ من رأى» هي أجمل من بغداد.. وأبهج.. وأسرّ.. الحسين.. يصف (سرّ من رأى) «سر من رأى» أَسرّ من بغداد فاله عن بعض ذكرها المعتاد حبذا مسرح لها ليس يخلو أبداً من طريدة.. وطراد ورياض كأنما نشر الزهر عليها... محبر الأبرار واذكر المشرف المطل من التل على الصادرين والورّاد وتلاحقت مدائح الحسين بن الضحاك للخليفة المعتصم يذكر فيها فتوحاته وانتصاراته في «أنقرة» و «عمورية» وهزيمته «توفيل» ملك الروم و«بابك الخرّمي» الذي جاء به الافشين، قائد المعتصم.. أسيراً: أفنى المعتصم.. (بني العيص).. لم تُبقِ من «أنقرة» نقرة واجتحت عمورية الكبرى إن يشك «توفيلُ» بتاريخه فحقَّ أن يعذر بالشكوى تغنى بنو العيص وأيامهم (3) وذكر أيامك لا يفنى يا رب قد أملكت من «بابك» فاجعل لـ «توفيلهم» العقبى الهوامش (1) نديم الخلفاء- تأليف عبد الستار فراج- سلسلة (اقرأ) القاهرة 1952- ص 82. (2) المصدر السابق- ص 83. (3) المقصود هو الروم- ويقال إن بني العيص من ذرية نوح عليه السلام. |
|