تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القتل بدافع الرحمة..بـــــــين مؤيــــــــد ومعـــــــارض

مجتمع
الخميس 25-6-2009م
المحامي محمد خير فارس كنيهر

فالمشروع السوفيتي أجاز القتل الطبي في قانون العقوبات الروسي الذي صدر عام 1922 ومن الأمثلة التي طبق فيها هذا السماح حادثة قتل مائة وسبعة عشر طفلا كانوا

قد أصيبوا بتسميم نتيجة طعام فاسد فقد رأت الحكومة السوفيتية آنذاك أن تقتل هؤلاء الأطفال فوراً بدلاً من أن تطيل حياتهم وقتاً يقاسون فيه أشد أنواع العذاب طال هذا الوقت أم قصر إلا أن هذا الحق لا نرى مثيله في البلدان الأخرى وأن الطبيب في الدول التي منعت قتل الشفقة قد منحته حق التخفيف من معاناة المريض في حالات الاحتضار حيث أن مهمة الطبيب ليست قاصرة على علاج المرضى بل تشمل تخفيف عذابهم وآلامهم كذلك يعتبرون أن عمل الطبيب هذا ليس ضاراً بل يعتبر إنسانياً لضرورته كما فعل القانون السوفيتي وقد رأى بعض الأطباء في بعض الدول أنه من حق الطبيب أن ينهي حياة مريضه الميؤوس من شفائه ولا يوجد في انكلترا ولا في فرنسا ولا في مصر نص قانوني على إجازة الموت الهادىء كما سماه الانكليز وبعد هذا العرض لا بد من توضيح موقف المشرع السوري من القتل بدافع الشفقة، وتوضيحاً لذلك لا بد من إيراد النص القانوني الذي يحيط بهذه المسألة وهو نص المادة 538 من قانون العقوبات السوري الذي جاء فيه «يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل انساناً قصداً بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه بالطلب».‏

وأن القانون السوري قد ميز بين نوعي القتل من حيث المسؤولية والعقاب، الأول وهو بدافع العطف والرحمة الانسانية، والثاني وهو قتل النفس البشرية بغياً وعدواناً. ولتطبيق أحكام المادة 538 عقوبات لا بد أن تتوفر جميع أركان القتل المقصود بالاضافة لشرطين آخرين يتعلق أحدهم بالمجنى عليه وهو أن يكون الجاني قد أزهق روح المجنى عليه بناء على طلب ورغبة المجنى عليه وإصراره على الطلب وأن هو البادىء في طلب الموت.‏

والشرط الثاني يتعلق بشخص الجاني بأن يكون الدافع الذي حمله على تلبية طلب المجنى عليه في إذاقته طعم الموت هو الشفقة.‏

إذن إذا أصيب الانسان بداء عضال لا يرجى منه الشفاء وعزت مداواته، وأضناه وثبت أن هلاك مريض به محتوم وأن نهايته غدت معلومة، فكل ذلك لا يبرر الاعتداء على حياته والتعجيل بوفاته.‏

لكنه لا يمنع أن يخفف الطبيب من آلام المرض والنزاع الأخير بأن يقدم له ما يغيبه عن رشده ريثما ينفذ أمر الله ويلفظ أنفاسه الأخيرة.‏

وهذا ليس تعجيل في الوفاة وإنما هو عمل مباح ولا إثم فيه ولا مسؤولية على فاعله، أي أن مهمة الطبيب تقتصر على استعمال وسائل طبية وأساليب أياً كانت للتخفيف من آلام المريض وتهدئتها على الأقل على أن لا تكون سبباً في تعجيل الموت وإنهاء الحياة.‏

واستذكر هنا حادثة عندما غزى نابليون بونابرت فلسطين وعلى أبواب يافا أصاب الطاعون جنوده فأمر طبيبه بأن يجهز على مرضاه من العسكر المصابين بهذا المرض منعاً لانتشار العدوى بين باقي الجند، إلا أن هذا الطبيب رفض الانصياع لهذا الأمر وقال كلمته المشهورة «إن واجبي شخصياً هوالمحافظة على الحياة وليس إهدارها».‏

إن المشرع السوري لم يأخذ بإباحة الموت بدافع الشفقة إلا أنه لم يضعه على حد السواء وفي مرتبة واحدة من حيث المسؤولية والعقاب فخص فاعل جريمة القتل بدافع الشفقة بالعقوبة وفق نص المادة 538 عقوبات والتي يكون فيها الحد الأدنى للعقوبة ثلاث سنوات اعتقال وفاعل جريمة القتل بغياً وعدواناً يعاقب وفق نص المادة 533 عقوبات والتي يكون فيها الحد الأدنى للعقوبة خمس عشرة سنة أشغال شاقة أي أن المشرع اعتبر القتل بدافع الشفقة مما يمكن أن يرأف به وتنزل به الرحمة وتعتبر جريمته نوعاً من القتل المقصود المخفف.‏

وبذلك يتضح أن الدين والقانون والأخلاق والمنطق كلها لا تجيز قتل المريض مهما كانت الأسباب إذا عجز شفاؤه، وإنما يجب على الطبيب كما فعل المشرع السوري أن يعمل على تسكين آلامه حتى يسلم الروح لبارئها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية