|
شؤون سياسية وآذان الدول الخمس الأعضاء الدائمين مغلقة أمام أصواتهم المبحوحة المتنافرة وإن بدت في المجلس وأمام الكاميرات موحدة, فالتفاصيل غير متفق عليها, ويعرف المندوبون الدائمون وغير الدائمين أن وحدة الصف العربي مفككة وضعيفة وتلك النداءات التي ترتفع من هنا أو هناك لوقف القتال في أغلبها من باب ما يسمونه رفع العتب, لأنها لا تقترن بموقف عملي تخشاه أميركا وإسرائيل. منذ عام 1973 أي بعد حرب تشرين وتفكك انتصارات هذه الحرب باتفاقات منفردة بدأها أنور السادات باتفاقية كامب ديفيد وضمان خروج مصر من معركة الصراع العربي الإسرائيلي كأهم دولة مواجهة تغيرت قوة العرب في مجلس الأمن وتغيرت قوتهم في الساحة الدولية, وتحول عدد كبير من دول عدم الانحياز التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل لصالح القضية الفلسطينية إلى إقامة علاقات اقتصادية سياسية وثقافية وبعضها إلى علاقات عسكرية بذريعة أن العرب هم من هدم سور المقاطعة وازداد تحول دول العالم عن التعاطف مع القضايا العربية بعد تهدم الاتحاد السوفييتي وظهور أميركا كقطب أوحد راح يرسي جبروته وهيمنته على العالم كله, ويفرض إملاءاته عليها وبخاصة بشأن دعم إسرائيل وفق سياسة جاهر بها الرئيس بوش أكثر من غيره من الرؤساء الذين سبقوه (إما مع أميركا أو ضدها) وهذا قسم العالم إلى قسمين, القسم الآخر -أي ضد أميركا- هو الضعيف ومعرض للحصار والتهديد ومتهم بالإرهاب, فعدم التوافق مع السياسة الأميركية والانقياد لها هو إرهاب مطلوب محاربته.. وانصاعت لهذا المفهوم دول أوروبا وأغلب دول العالم وتبنى العالم المصطلحات الأميركية الصهيونية الجديدة حول الإرهاب مما قلب المفاهيم رأساً على عقب وتحول عدوان الاحتلال دفاعاً عن النفس والمقاومة صارت إرهاباً وصار التمسك بالثوابت الوطنية خروجاً على قيم المجتمع الدولي الذي تقوده أميركا والمنطقة العربية هي اليوم مركز الاهتمام الأميركي لأنها ساحة المشروع الصهيوني الأميركي المشترك. ونجد أنظمة وقوى في الوطن العربي تنتظم بشكل أو بآخر في هذا المشروع وتسوقه كمشروع خلاص للمنطقة من كل مشكلاتها ومعاناتها في الصراع والاقتصاد والتنمية وتراهن عليه, ووظفت ما تمتلكه من إمكانات إعلامية وسياسية واقتصادية له عبر الاصطفاف بطريقة أو بأخرى مع الموقف الأميركي في الحرب على العراق أو في التحرك في لبنان أو تهديد لسورية ومحاصرتها ومحاولة عزلها وفي توجيه العداء لإيران ولبرنامجها النووي السلمي. الحرب الإسرائيلية على لبنان لم تكن رداً على أسر جنديين إسرائيليين, وكذلك الأمر في غزة على أسر الجندي جلعاد, فهذه الحرب معدة منذ خروج إسرائيل من الجنوب عام 2000 لأن إسرائيل وأميركا تبغيان كسر فكرة المقاومة في الذهن العربي لأن هذه المقاومة تمثل حركة رفض الموت في هذه الأمة, فالمقاومة في أي أمة هي حركة حياة في وجه الإبادة أو العزل التاريخي والقتل الثقافي, وبالرغم من أهمية دور المقاومة في هذه المرحلة عمدت بعض الأطراف العربية إلى تقزيم هذه المقاومة واتهامها بأنها تقوم بمغامرات غير محسوبة على إسرائيل المسكينة التي تتسول السلام من العرب ولكن المقاومة تضرب يده الممدودة إلى الأمة العربية بحسب رأي هؤلاء.. وهكذا يغدو العدوان الإسرائيلي مبرراً بالرغم من وحشيته بأسلحة أميركية هي الأكثر فتكاً في تاريخ الشعوب, وإذا كانت ثمة مساعدات تقدم من قبل هذه الأطراف العربية فهذه المساعدات لا تسوغ هذا التخاذل الطويل الأمد العميق الأثر السلبي على وحدة الصف العربي في مواجهة الخطر الصهيوني.. ولا تسوغ صمتهم الطويل على اغتصاب القدس والمسجد الأقصى وهذا القتل اليومي للفلسطينيين وتدمير بيوتهم وتجريف أراضيهم وقضمها وتجاه الجدار العازل وأخيراً تجاه حرب الإبادة التي تشن على الفلسطينيين في غزة منذ خمسين يوماً والحصار الاقتصادي منذ وصول حماس ديمقراطياً إلى السلطة لقتل الفلسطينيين جوعاً ولقتل إرادتهم وصمودهم. إن هذا الصمت العربي على ما يجري في فلسطين والعراق ولبنان وما يمس سورية من تهديد ووعيد هو الذي جعل العالم خارج دائرة التعاطف أو التكاتف مع العرب وجعل أميركا ودولاً كبرى تتجاهل المشاعر العربية وتزدريها وتتجاوز العرب لتفعل, بالمنطقة العربية كما يحلو لها وأن تدافع عن إسرائيل وتستعمل حق الفيتو في مصلحتها ونفوذها في دعمها, وهذه الأنظمة والقوى التي اعتبرت عمل المقاومة مغامرة غير محسوبة تمتلك كثيراً من أوراق الضغط والقوة ولكنها غير مستعملة, فسقوط بغداد في ظل صمت أو مباركة عربيين عزز لدى أميركا وإسرائيل الثقة بأن سقوط أي عاصمة عربية أخرى سيكون الحال العربي نفسه, وأن العرب حالة صوتية لا أكثر ولهذا يقول بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في معهد الصحافة العربية بواشنطن (إن المقاومة اللبنانية أكدت أمرين أن العرب بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً مهماً وأنهم تجاوزوا الحالة الصوتية). وبالرغم من أن الحرب الإسرائيلية الأميركية مازالت تشتعل في لبنان وتتهدد المنطقة كلها, فالنظام العربي الرسمي مازال بارداً في موقفه يراهن على دور أميركي وفرنسي وبريطاني بالرغم من أن كل هذه الدول تمارس دوراً واحداً ومن أجل هدف واحد هو بالنهاية دعم إسرائيل من دون حدود وضرب المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية لقتل روح المقاومة عند العرب. إن ما جرى في مجلس الأمن للوصول إلى قرار يعزز العدوان الصهيوني الدائم على العرب, وما يرافق مداورات هذا المجلس من صمت دولي خنوع أو راغب بما يجري لغياب العرب عن الساحة الدولية يجب أن يوقظ الأنظمة العربية من غفوتها وأن تفتح عينيها وعقلها لتبدأ بخطوات جديدة تؤكد وحدة الموقف العربي وقوته وجرأته في وجه هذه الاصطفافات الدولية التي تقودها أميركا في مصلحة إسرائيل والعرب يملكون القدرة على تحقيق ذلك إن توفرت لديهم النية والرغبة والإرادة على حد قول بريجنسكي. |
|