|
شؤون سياسية وليد عنصر المفاجأة الذي اعتمدته هذه المقاومة أسلوباً رئيسياً في تعاملها مع آلة العدوان الإسرائيلية, لأن هذا الانتصار كان نتاج عملية شديدة التعقيد اجتمع فيها مزيج رائع من معرفة استراتيجية العدو الصهيوني والإحاطة بعمق بمذهبه العسكري, والقدرة على تحصين الجبهة الداخلية بحيث تكون عصية على الاختراق الاستخباراتي الذي حاول العدو الإسرائيلي التشبث به كطوق نجاة يحول دون الغوص في وحول الهزيمة لكنه ارتد مذموماً مدحوراً . واتقان الوصول إلى الهدف الذي وضعته المقاومة منذ بداية القتال هذا الهدف المتمثل بايقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف العدو وقد تحقق هذا الهدف على أتم وجه, وجر العدو إلى حرب استنزاف إذا فكر في الاعتماد على عنصر الوقت لتحقيق أي انتصار عسكري مزعوم يستطيع به دعم موقفه داخلياً وقد فشل الجيش الإسرائيلي فشلاً ذريعاً في تحقيق أي انتصار لذلك كان يتحاشى توسيع دائرة القتال وظل حذراً في مسألة الانجرار إلى حرب استنزاف كان واثقاً أنها ستعود عليه بالخسران المبين, والإحاطة خبراً بالتكنولوجيا العسكرية ا لمعقدة الأمر الذي جعل إسرائيل تلجأ إلى الكذب في تبرير الخسائر الموجعة التي تلقتها على أيدي أبطال المقاومة اللبنانية الأشاوس فتارة تزعم أن الصواريخ التي استخدمت في إغراق البارجة( ساعر) إيرانية الصنع, وتارة تزعم أن المقاومة زودت بصواريخ مضادة للدبابات روسية الصنع محاولة القفز فوق الحقيقة أن هناك رجالاً مؤمنين بعدالة قضيتهم متشبثين بكل ذرة من تراب وطنهم وقد صدقوا ماعاهدوا الله عليه, هؤلاء الرجال هم الذين صنعوا بسواعدهم المفتولة النصر الذي كان مفخرة في تاريخنا العربي المعاصر. هذا الانتصار الميداني كان سيد الموقف الأمر الذي دفع كيان العدوان والحقد على الإنسانية إسرائيل إلى القيام بمحاولة يائسة لتحقيق نصر سياسي يكون تعويضاً للفشل العسكري الذي جرعت كأسه المريرة, وانتقل الصراع من أرض البطولة والصمود لبنان إلى مجلس الأمن الذي سعت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية إلى استغلاله في محاولة اجهاض الانتصار العسكري الرائع الذي حققته المقاومة الباسلة. ومن وراء الكواليس بدأت لعبة الشد والجذب لاستصدار قرار يصب في مصلحة الكيان الصهيوني. هذا الأمر لم ينطل كحيلة على العرب الذين صحوا على أهمية انتصار المقاومة فمارسوا نوعاً من الضغط على المجتمع الدولي لقطع الطريق على صدور قرار مطبوخ في المطبخ الأميركي بنكهة إسرائيلية وخبرة بريطانية. ثم صدر القرار رقم 1701 الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية بتحفظ وإذا كان بعض المحللين السياسيين يرون في هذا القرار ظلماً جديداً سقط على رأس الحق العربي الذي اعتاد على تلقي الصدمات من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد أن بسطت الإدارة الأميركية هيمنتها الكاملة عليهما, بينما يرى بعضهم أن القرار بما فيه من انحياز وقح إلى إسرائيل يمكن التعامل معه بمقولة بعض الشر أهون من بعض, أوليس بالإمكان أفضل مما كان, فإن الحقيقة التي يجب أن نشغل أنفسنا باستثمار مافيها من مزايا ايجابية على المديين القريب والبعيد هي أن المقاومة اللبنانية حققت انتصاراً سيترك آثاراً ملموسة على الصراع العربي الإسرائيلي, وهذه الآثار ستفرض ايقاعاً جديداً في التعامل مع هذا الملف. - كرس الانتصار عروبة لبنان ورسخ جذور انتمائه إلى أمته العربية, وفي هذا إطاحة بأوهام أولئك الذين اعتقدوا أن لبنان سيهوي لقمة سائغة في فك إسرائيل التي كانت تخطط لتوقيع صلح منفرد معه لتنأى به عن أمته, فجاء انتصار المقاومة ليذهب بأضغاث أحلامها أدراج الرياح. - أثبت الانتصار أن معالجة موضوع سلاح حزب الله هو شأن لبناني داخلي بحت بصرف النظر عن الإشارة في قرار مجلس الأمن الجديد إلى ضرورة تنفيذ القرار 1559 الذي يعيد اسطوانة نزع سلاح حزب الله من جديد. اللبنانيون سيتعاملون مع هذه القضية بعيداً عن تأثير الضغوط والإملاءات الخارجية بعد أن لمسوا لمس اليقين أن هذا السلاح موجّه إلى صدور الإسرائيليين أعداء لبنان الذين لم يتورعوا عن ارتكاب المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية بعد أن عجزوا عن الوقوف في وجه المقاومة التي انقضت عليهم إعصاراً لايبقي ولايذر. لقد شعر اللبنانيون أن المقاومة هي التي حمتهم من إسرائيل الشر المطلق الذي يهدد حاضرهم ومستقبلهم وهم الآن على قناعة لايخامرها شك أنهم متمسكون بهذه المقاومة تمسكهم بأرضهم وعرضهم. - جعل الوضع الجديد للاهثين وراء التطبيع في موقف محرج سيجبرهم على عدم رفع عقيرتهم بالتطبيع مستقبلاً بعد أن تأكدت حقيقة استحالة التطبيع مع كيان مجبول بالحقد على كل ماهو عربي بل إنساني, وعلى هؤلاء أن يتذكروا مجازر قانا الثانية والقاع والشياح وغيرها كلما سولت لهم أنفسهم الحديث عن التطبيع لعلهم يصمتون قبل أن يجبرهم الشعب العربي على الصمت والاستغفار من دعوتهم. - برز الشارع العربي كقوة جديدة سيحسب لها حساب كثقل بشري لايمكن تجاوزه بعد أن طال غياب هذه القوة إلى درجة أعلن معها بعض المتشائمين بقدرتها على الحراك وفاتها وفتحوا بيوتهم لتلقي العزاء بها. - تبين لإسرائيل بعد الهزيمة العسكرية في لبنان أن الأمة العربية أمة حية قادرة على النهوض. فلبنان الدولة الصغيرة فعلت مافعلت بإسرائيل التي اخترعت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر فقد قهر الجيش وفر جنوده وضباطه من أرض المعركة وأجهشوا باكين بعد أن رأوا الهزيمة شبحاً مرعباً يطاردهم في حلهم وترحالهم. وهذه الهزيمة ستكون حافزاً للأمة لعدم الخضوع للإرادة الإسرائيلية التي تسعى إلى تجاهل الأمة العربية. - أفاقت الأسرة الدولية على صخب العدوان الإسرائيلي لتجد ملف الصراع العربي الإسرائيلي مغطى بطبقة هائلة من الغبار مرمية في زوايا النسيان تخرجه ( واشنطن) متى شاءت وتبت فيه وفق المشيئة الإسرائيلية وتساق الأسرة الدولية على مهر هذا الملف بختم الموافقة دون معرفة محتواه, ولن ترضى بعد اليوم بهذا الدور الثانوي, وهذا يعني ولادة أنصار كثر يؤمنون بالحق العربي. هذه الحقائق يجب أن تكون واضحة في أذهان العرب لأن موقفهم التفاوضي يجب أن يكون أقوى من الآن فصاعداً, ويجب أن يستثمروا انتصار المقاومة اللبنانية أفضل استثمار في التمسك بحقوقهم ورفض التنازل عنها في صراعهم التاريخي مع عدوهم وعدو الإنسانية كلها إسرائيل. |
|