|
شؤون سياسية يبقى إنجازاً لمشروع سياسي مسبق ودخولاً في مرحلة أخرى أكثر تطوراً وأوضح معنى والقاعدة في المسألة كلها أن كل درجة في الحدث السياسي أو العسكري تكون نتيجة لسابق ومقدمة للاحق وهذا هو المنطق الجدلي في وعي الحدث بحيث نستبعد منه منصة الفراغ,فلا شيء يحدث في الفراغ ولا شيء يتكون في الفراغ,هناك باستمرار مراحل منجزة ونتائج متحققة ووقائع تفرض نفسها في التداول,وكذا الأمر فإن الحدث السياسي أو العسكري لا يمكن أن يضيع في المجهول يتكرر أو يتلاشى أو يفقد تأثيراته,من هنا فإن وجود المعادل الفكري هو الذي يضبط الحدث من حيث مقدماته ونتائجه ومن حيث مصادره وقواه الفاعلة ومن حيث وقائعه ودرجة تأثيره في الواقع العام. ولقد جرت العادة في الوطن العربي على أن يقوم الحدث بمعيار اللحظة الراهنة يستوفي حق التفاعل معه ثم ينطفئ,ثم ينكفئ ليستقر في منطقة النسيان وهذا ما يجعل المواقف متبدلة حيث تندفع الفاعليات إلى أقصى حد في لحظة معينة كما حدث في حرب تشرين وحيث تتراجع الفاعليات إلى أدنى حد كما حدث بدءاً من مرحلة كامب ديفيد,وهنا يبدو الحال العربي هو سلسلة غير متواترة من أوضاع الاشتعال والانطفاء وواقع الانبعاث والانكفاء,والقوى المعادية وهي تراقب الوضع بدقة وتتابع التراكم وتؤشر على التحولات الجزئية أو الطاقة الحاصلة في عمق الحدث نفسه أو في مقدماته ونتائجه, هذه القوى تستند إلى مصطلحات بعينها منها أن العرب لا ذاكرة لهم وأنهم صوت جغرافي يضيع في المدى ويتلاشى في الصدى,أو أن العرب بلا ذاكرة جمعية لذلك هم مؤهلون سياسياً لاستقبال التغيير القسري في المواقف والمواقع فقد يصبح العدو صديقاً كما فعلت بعض الأنظمة مع إسرائيل,وقد يتحول المحتل إلى محرر كما هو شأن البعض في تقويم الغزو الأميركي للعراق وقد تصبح حالة الدفاع المشروع عن الحق والوجود تهوراً في غير زمانه ومكانه,وبصورة متزايدة ومعمقة تتناقض المواقف وكثيراً ما تلجأ بعض السياسات العربية للاستقواء بالأجنبي أو لتقبيل يد الجلاد والقاتل حتى إذا توطدت درجة الاختلاط لجأ البعض إلى التفسير المختلق فهناك تهمة المحور وهناك تهمة الحلول مكان السلطة كما حدث في التعامل مع المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان وهي تنجز واحدة من أكبر الحروب مع العدو الصهيوني,ولنلاحظ الآن ما يجري على المستوى العربي أو في بعض المواقع في الداخل اللبناني,هناك من طرح فكرة تحميل المسؤولية لحزب الله باستجرار الحدث العسكري الكبير فكان السبب لديهم هو مجرد أسر جنديين إسرائيليين في مناخ الصراع الدائم وفي سياق الوقائع العسكرية التي لم تنقطع بين المقاومة الوطنية والعدو الصهيوني وهناك من طرح الفكرة السلبية على أساس أن ما حدث هو مغامرة لا تسمح بها موازين القوى العسكرية ولا المناخ العالمي ولا الظرف الراهن في الواقع العربي,وفي إطار التعاطي مع الحدث هناك من أدان أولاً ثم صمت في احتدام المعركة وانتشار لهيبها المدمر ثم أدرك واستدرك فطرح نفسه مبادراً للاشتراك في الحل والشعار دائماً هو منع التدمير عن لبنان وإيقاف نزيف الدم الذي صار جرحاً غير قابل للاندمال. في هذه الفترة كان لا بد من المعادل الفكري والسياسي عبر منهج يؤكد الاتجاهات العامة في الحدث ويعزل الاختلاط ويمنع التناقض لأن الكثيرين عربياً وعالمياً حاولوا تخريب نتائج الانتصار بعد أن أعيتهم الحيلة في تخريب وقائع الانتصار عبر الحرب الطويلة الأمد في المنطقة,ومن هنا جاء موقف الرئيس بشار الأسد وقد التقط المصدر وبواعث الخطر وبصورة واضحة شفافة أطلق أفكاره في المؤتمر العام الرابع لاتحاد الصحفيين وقد آثر أن يقدم موعد المؤتمر من العشرين من الشهر الحالي إلى الخامس عشر من الشهر نفسه,ويجب ألا يتوقع أحد بأن المسألة هي اختيار عادي أو مشاغل إدارية,ففي مثل هذا المستوى تتحول الأيام الخمسة إلى معنى ومبنى يدخل بل يتداخل مع الحدث نفسه,وهذا واضح تماماً من خلال قوة وسرعة المتغير في مرحلة ما بعد الحرب وكان لا بد من فكر يحيط بالحدث وهو في أعلى مستويات حياته وكان لا بد من معادل يحتضن الحدث يثبت فيه الحقائق من جهة ويجري المقارنة والمقاربة عليه من جهة أخرى ويتقدم نحو الأمام ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم في عمر الحدث وليس بعد فوات الأوان,وبالمعايشة المعمقة والمبسطة مع المنهجية المعهودة للرئيس القائد بشار الأسد فكراً وقراراً ومتابعة سوف نجد أنفسنا أمام حالة بغير سقف أو حدود تضمنتها الكلمة التي جاءت تأسيساً جديداً لواقع تداخلت فيه الرؤى واضطربت فيه المعايير,والبحث هنا طويل فالكلمة نص مكثف وخلاصات متبلورة وفتح للأفق وفي الأفق والحاجة ماسة إلى أبعد مدى للتحليل والتقاط الأفكار المؤسسة والقواعد الثابتة والتفسيرات الآمنة والمنطقية,ولعلي في هذا الموعد من الكتابة أتخيل عناوين ثلاثة من عشرات مثيلاتها. 1-جاءت هذه الفكرة والتي هي قانون علمي وجدلي لربط النتائج بالمقدمات ولضبط أنماط السلوك على قاعدة وحدة الناتج والمقدمة,فالمقاومة أنجزت انتصاراً هو محصلة جهد وجهاد وهو مبني في منهج متكامل أساسه الإيمان بالقضية واستثمار عامل الزمن في التدريب والتنظيم والتعامل الحربي مع العدو وقد تأكدت هنا وحدة الإرادة مع الإدارة وتوضحت بصورة جلية قوة الإرادة حينما تحملها الإدارة الحازمة والعلمية ولعل ذلك يشكل إضافة مهمة في كل أحوال وحالات الصراع العربي الصهيوني . ثم أبدى الرئيس بشار الأسد إضفاءة غنية حينما ربط بين المتغير العربي والدولي إن كان سياسياً أو قراراً من مجلس الأمن أو موقفاً لأطراف دولية كبرى,حينما ربط ذلك كله بأصول وفصول الإنجاز العظيم في عمق الواقع فلا يمكن أن نبقى مستعدين لقبول الفكرة الساذجة بأن النظام السياسي العربي أو الدول الغربية الكبرى تغير في منطقها بدافع الصحوة أو البحث عن العدل أو حق العطف الأعجف على العرب وقضاياهم,القصة هنا حدث يتفاعل يتحقق ويحقق ثم يفرض نفسه بالناتج على كل الدوائر البعيدة والقريبة,ومن ضمن هذا المفهوم الجدلي العلمي نشأت اعتبارات العلاقة بين السلطة اللبنانية وحزب الله,فالسلطة أساساً كما أعلن الرئيس لا بد أن تشكل الغطاء الشرعي للمقاومة لا أن تبني حساباتها في إقصاء المقاومة واستبعاد نتائج الحرب الأمر الذي يؤدي إلى مهلكة حقيقية ومهزلة حقيقية,وفي اتجاه آخر كان الرئيس القائد بشار الأسد يؤكد بأن حصة الإنسان في التضحية هي حصته في الناتج واستثمار النصر ومن لم يشترك في الحرب المشروعة لا يحق له أن ينصب نفسه موجهاً أو ناصحاً أو مقرراً أو مالكاً لنتائج الحدث وغلاله وهو الذي كان يدور في عواصم الدنيا يؤلب على قومه ويستعدي على شعبه ويستقوي بالأجنبي دون أدنى إحساس بالمسؤولية. 2-وفي فقرة مهمة للغاية أراد الرئيس بشار الأسد أن يستعيد مصادر ومقومات العلاقة بين سورية ولبنان وقد حاول الكثيرون تصوير لبنان على أنه قوي بقدر ما تتلاشى العلاقة مع سورية,وبأن سورية كانت حالة استعمارية دون أن يستذكر هذا النفر من الناس حقارة الدمج بين الوجود السوري في لبنان والوجود الإسرائيلي في لبنان ولكي تتكون المصداقية استذكر الرئيس عملية استحضار 1559 واغتيال الشهيد الحريري واستصدار القرار 1595 حينما فزعت هذه القوى السياسية في لبنان لتجعل من سورية هدفاً مصيرياً,وبصورة محمومة استغرقت أكثر من عام كان العداء لسورية والتشويه لموقفها لا يهدأ أبداً بالمستوى السياسي ولا بالمستوى الإعلامي ولا بمستوى تبديل الحقائق عبر الارتماء في أحضان الأجنبي,أراد الرئيس الأسد أن يذكر هؤلاء بما فعلوه حتى لا تتاح الفرصة من جديد لبلاء آخر ولتزوير آخر فالذي حارب سورية في لبنان لا يحق له أن يرتبط بمقاومة أو أن يدعي بأنه حريص على وحدة لبنان ومصير لبنان وسلامة لبنان ,إنها مفارقة عجيبة أن يكونوا طوال الوقت أعداء حقيقيين للمقاومة وأن يجعلوا من قضية إنهاء هذه المقاومة وتجريدها من السلاح قصتهم الأولى وهدفهم الضاغط وضرورتهم الملحة ثم يأتون الآن ليقولوا إننا مع من اغتلناهم بالأمس ومع من كانوا الخصم والنقيض على مدى شهور طويلة,هنا استكبرت هذه القوى في لبنان أن يعيد الرئيس بشار الأسد الحقائق إلى نصابها لأن النوايا المبيتة والمثل يقول اليد التي لا تقوى عليها قبلها وادع عليها بالكسر. 3-وفي المنحى الثالث استعاد الرئىس بشار الأسد صيغة التعامل مع الأنظمة العربية وسورية كانت قد بذلت كل جهد من أجل أن يبقى العرب في المشتركات مهما كانت صغيرة وكانت هناك منهجية أخلاقية عالية في التعامل مع الحكام العرب استنهاضاً لهمة قد تتوفر فيهم وتذكيراً بخطر لا يميز ولا يعفي أحداً,لكن مستوى الفعل والقرار عند الكثيرين من الحكام العرب بني على أساس أن الحال الداخلي للعرب لا أمل منه ولا يوجد فيه ما يبعث على القلق ما دامت أميركا في العراق وإسرائيل في لبنان والوضع العربي بكامله تحت السيطرة المطبقة والمطلقة للمشاريع الأجنبية إلى أن وصل الحال إلى حد العداء للمقاومة واتهام سورية بمنطقها القومي ودورها القومي ومحاولة ضخ السموم وبثها في الموقف العربي الذي أذهل الدنيا واجتمعت على قوته وأخلاقيته البشرية كلها,عند هذا الحد كان لا بد من استنفار الحقائق ووضع النقاط على الحروف وتوجيه الرسالة صافية شريفة بلا حقد وبلا تشف إلى من يحكم الوطن العربي في هذا الموقع أو ذاك,وأعلن الرئيس القائد بشار الأسد أن المصير واحد وأن المقاومة نابت عن العرب بما فيهم الأنظمة السياسية في رد العدوان وردعه وفتح الفرصة أمام مجهودات حقيقية أساسها مصادر القوة العربية الغزيرة والوفيرة,وكان لا بد من التأشير على نقطة هامة للغاية وهي أن زمن التجميل والبروتوكول العابر والشكليات الخادعة والادعاءات المخدرة إنما أنتجت كلها هزيمة بعد أخرى حتى صارت المسألة في النهاية تقاس بقدر ما تسهم الأنظمة السياسية العربية في خدمة المشروع الخارجي وفي وأد مناطق الحياة وواحات الانبعاث في الجسد العربي الكبير المترهل,والرئيس بذلك لم يستحدث شيئاً من فراغ فها هو الواقع وهذه ميادين المعركة السياسية والحربية والمدى مفتوح لكي يؤوب الضال عن خطئه ولكي يستدرك الغافل والجاهل إن كان كذلك,هذه النقاط الثلاث هي باتحادها منظومة واحدة أساسها الذات الموحدة المتبلورة وتجلياتها في مستوى الاستثمار وفي منحى الاستثمار لنتائج نوعية وكمية أنتجتها حرب المقاومة الوطنية الإسلامية في لبنان,ولا يحق لمن أعطى الموقف الشهادة والإيمان أن يفرط بما أنجز ولا يحق لمن كان في الصف الآخر أن ينتقل على حين غرة إلى صف المقاومة والموقف والشهادة..هذا قبس من فقرات الخطاب المؤسس لكن الحق مر,وأمر من الحق كلمة الحق في موعدها ومولدها. |
|