تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«فرق حساب»..!!

الافتتاحية
الأحد 18-10-2015
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

يعيد التواصل السعودي التركي بشكله المكثف تسليط الضوء على المحاولات اليائسة للإمساك بخيوط بدأت تفلت من بين أصابعهما، بعد المغالاة في افتعال المعارك الجانبية والاتهامات البينية غير المعلنة في الصراع على الأولويات وهوية الإرهاب القادم من كل حدب وصوب،

وفرضية الاختلاف على أسبقية تفريخه بين الإخوانية بلبوسها التركي، والوهابية بعباءتها السعودية.‏

وبغضّ النظر عن المغامرة المشتركة التي تحكمها عوامل الفشل بحكم المعطيات الضاغطة على كلا الجانبين والمأزق المستحكم بخياراتهما، وهي مغامرة كُتب عليها أن تدفن قبل أن تبدأ، فإن ما برز حتى اللحظة يُظهر أن هوية الانتماء والأسبقية مؤجلة حتى إشعار آخر، وأن الفروق والاختلافات لم تعد أولوية على أجندات تنزلق على صفيح التطورات التي لا تترك لهما متسعاً من الوقت لمزيد من المناورة السياسية والتسويف.‏

واللافت أن الحراك بهذا الاتجاه يستدعي إعادة تموضع داخل الأدوات الأميركية والأطراف التي تحرك الإرهاب، وهي تستجمع آخر ما يتوافر من أوراق لم تحترق بعد، لتعيد النظر في مخرجات باتت خارج سيطرة المعادلة الغربية، بينما قواعد الحديث والاشتباك السياسي المحكوم بمحدداتها، يدفع نحو مزيد من الغربلة الذاتية للخيارات المفتوحة، والتي تفتقد لعوامل فعاليتها أمام ضغط التداعيات الناتجة عن الدخول الروسي إلى المعادلة الإقليمية ببُعده الدولي وثقله الجيوسياسي.‏

فالمماحكة الغربية حول المشاركة الروسية في مكافحة الإرهاب، وما يستتبعها من لغو وثرثرة لدى الأدوات الإقليمية، لا تحتاج إلى كثير من التحليل والتدقيق لإدراك مأزق الفراغ السياسي والدعائي الذي تواجهه «البروباغندا» الغربية وملاحقاتها الإقليمية، انطلاقاً من الوقائع على الأرض التي تبدو حتى اللحظة أنها تدفع بالغرب وأبواقه الإقليمية سياسياً وإعلامياً إلى الاصطفاف خلف قافلة المواقف الأميركية المتضاربة، فتصفّق حين يتطلب الأمر الصمت، وتصمت حين يقتضي المشهد الحديث، ولو كان بكلمة رفض لفظي واحدة، أو عبارة تنديد أو استنكار يتيمة، اعتادتها لحفظ ماء الوجه.‏

وإذا كان من المحسوم سلفاً أن الغرب يعيد مراجعة اصطفافه تبعاً لحجم ما يواجهه من متغيرات، وإن لم يصل إلى حدود الانعطاف أو التفكير بالاستدارة، فإن الأمر لدى الأدوات الإقليمية يتجاوز مسألة النبش في الدفاتر القديمة، أو العودة إلى التلويح بالأوراق المحترقة التي سبق تجريبها..!!‏

جدية الخطوة الروسية في مكافحة الإرهاب كانت تفترض مواقف ترتقي إلى مستوى جديتها لدى الغرب وأدواته في المنطقة من جهة، وأن تقابل بقدر من المسؤولية بحكم أنها طريق واضح لمواجهة الخطر المترامي الأطراف الناتج عن استفحال الإرهاب وانتشاره أفقياً وعمودياً من جهة ثانية.‏

لكن ردّة الفعل الغربية حتى اللحظة لا توحي بذلك، ولا تشير إلى الرغبة في هذا الاتجاه، بدليل أن الخطوات الغربية تتجه نحو الدفع بأدواتها إلى النبش في دفاترها القديمة والبحث عمّا يماثله في التجارب الماضية، التي لا يصح القياس عليها، ولا يجوز الاستدلال من خلالها.‏

المعضلة ليست في عودة متأخرة ويائسة إلى دفاتر قديمة ومستهلكة اقتضت التطورات ترحيلها، وبعضها كانت مغلقة بالأساس، وأصبحت من الماضي، بعد أن تجاوزها الزمن بحكم التقادم في استخدامها، بل في وصول التطورات إلى حلقة لا تعترف بما سبق، ولا تأخذ بما يتم البناء عليه أو انطلاقاً منه، حيث تستحيل العودة إلى العبث والاجترار في صفحاتها المتناثرة، ولا حتى التفكير بها في مقاربة باتت تُلزم النظر إلى المسألة من زاوية الاقتدار على تحريكها من دون الوقوع في سراديب وأقبية ما تنتجه من مآزق متنقلة نحو الهاوية التي لم يعد من المجدي التثاؤب على حوافها.‏

الأخطر أن العبث لا يقتصر على مكونات ما في دفاترهم المركونة واجترار ما تبقى من خياراتهم المفلسة، بل الإصرار على اللعب بنار باتت فيها الأصابع السعودية تتلوى من احتراقها، وحال شريكتها حكومة العدالة والتنمية ليس بأفضل، حيث الصراخ السعودي ومعه التركي من نار أوقدتها استطالات وتورّمات وأحلام مريضة، لا بد أنه يختلف عن ضجيج الغرب.. صحيح أنه صنعها وأوقدها وأجّجها ويؤجّجها، لكنه يكتفي بعدِّ أصابع أدواته التي تحترق.‏

فالغرب بقديمه وجديده يبقى غرباً استعمارياً له أطماعه.. والأدوات تصبح فرق حساب حين تقتضي مصالحه حتى لو كانت من بنك مستلزمات هيمنته وتبعيته، حيث لا تنفع الدفاتر القديمة في إطفاء ما اشتعل، ولا تصلُح الجديدة لذرِّ رماد ما تبقى.!!‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية