|
شباب خلالها عن النشاطات الروتينية التي قد يألفها إلى مرحلة لا يجد فيها حاجة لاستخدام إبداعه أو ذكائه أو حتى الالتفات إلى رغبته في تأديتها. و أساس الهوايات, كما هو أساس اللعبِ, التحرّرُ من تلك الألفة و الاستمتاع بالتجربة الحرة. يمكننا من هذا المنظور أن نجعل من الهوايات و النشاطات الحرة التي يمارسها الفردُ الدواء الشافي لمشاكله النفسية و الوسيلة الأنجح للترويح عنه و تنشيط عقله و مهاراته. قِلَّة هم من يدركون أهمية ممارسة هواية حرة, و غالباً ما يكون أولئك الذين يتخذون هواية ما في سن متأخرة من عمرهم مدركين لأنفسهم و نقاط ضعفها و احتياجاتها الخاصة فيبحثون عن الممارسة الإبداعية الأنسب لهم. يزداد الوعي في مجتمعنا تجاه هذه المسألة بشكل ملحوظ, فقد بدأ يظهر عدد من ورشات العمل و دورات تعليم الفنون المختلفة التي نجد فيها طلاباً من فئات عمرية مختلفة. تلك ظاهرة إيجابية يحتاج أفراد المجتمع وعياً أكبر تجاه دورها بصفتها متنفّساً عن رتابة مهام العمل و الدراسة. و من أهم عناصر حملة رفع الوعي هي وجود أفراد واعين قادرين على المساهمة في تحفيز المجتمع و جذب اهتمام الأفراد تجاه نشاط معيّن و الإشراف على إبداعهم فيه. يطرح أحد خبراء علم الاجتماع النفسي فكرة حثّ الفرد على ممارسة نشاطات إبداعية بعيداً عن قيود العمل و الدراسة و ذلك من قبل “المنشط المحترف” المعَدِّ لهذا العمل: “إذا كان على المنشط أن يتعرف على الجماعة التي يتعامل معها, و يكوّن صورة موضوعية عن حاجيات أفرادها و ميولهم و طبيعة سلوكهم... فإن عليه أيضاً و بالدرجة الأولى أن تكون لديه صورة واقعية عن شخصيته من حيث إمكانياتها و ردود أفعالها و ميولها... و هذا ما يتطلب منه أن يقوم بعملية استبطان Introspection لشخصيته قصد التعرف عليها بأقصى ما يمكن من الموضوعية كما لو كانت شخصية إنسان آخر.”
يأخذ المنشط دوراً هاماً تجاه الأفراد إذا ما نظرنا إلى النشاط الحرّ بصفته علاجاً لمشكلاتهم. يمكننا تشبيه دور المنشطِ بدورِ مدرّس الأطفال إذ يجبُ عليه أن يستحوذ على اهتمامهم و يتواصل معهم بعمق ليستشعر مواضع الضعف عندهم من قلة تركيز أو توتر أو لا مبالاة. و من أمثلة العلاج بالهوايات هو التمثيل المسرحي الذي يناسب الأشخاص الخجولين و الذين يعانون نقص ثقتهم بنفسهم, و يمكن لمن امتلكته حياة مهنية سريعة الإيقاع أن يحضر جلسات يوغا أو تأمل أو المشاركة في مسير أو تخييم في الطبيعة, و نجد أيضاً الكثير من كبار السن طلاباً في دورات تعلم اللغات المختلفة. يشرح أحد الخبراء قضية “حاجيات جماعة التنشيط” في التنظيم الاجتماعي الناجح (جماعة التنشيط هي مجموعة الأفراد التي تمارس هواية معينة و تعتمد على مشرف محترف لتنشيط مهاراتها في تلك الهواية): “إن عمل المنشط يجب أن يستجيب لحاجيات جمهور معين, سواء كان هذا الجمهور يتكون من الأطفال أو المراهقين أو الشباب أو الراشدين... إلخ, لذا عليه أن يكون على بينة تامة من حاجات الجمهور الذي يتعامل معه, و هي حاجيات أبرزتها معطيات عدد من العلوم الإنسانية لاسيما: علم النفس و علم الاجتماع و التربية. و تتحدد حاجيات هذا الجمهور انطلاقاً من مستوى نمو أفراده من الناحية النفسية والعقلية و الاجتماعية و البيولوجية... و من طبيعة الوسط الذي يعيشون فيه, و الذي يترك بصمته على سلوكهم و تفكيرهم و رغباتهم. و كلما كانت الأنشطة التي يقترحها المنشط على أفراد جمهوره مستجيبة لحاجياتهم النفسية و الاجتماعية, ساد الطرفين جو من الثقة المتبادلة, و شعر بالمتعة و أدرك الجدوى من الأنشطة التي يمارسها.” إن ذلك الشعور بالرضا و المتعة الناتج عن التواصل الصحيح بين المنشط و جمهوره هو جزء لا يتجزأ من الصورة التي يكوّنها الفرد عن مجتمعه وانتمائه. و إن إيجاد البيئات و الجماعات المناسبة لكل فرد هي أولوية بالنسبة للمجتمعات المتحضرة, تعزّز من خلالها احترام الفرد للمجتمع و شعوره بالأمان فيه و الامتنان لما يقدمه له. |
|