تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعثة الأمم المتحدة .. صفعة لنا

هآرتس
الثلاثاء 10-4-2012
ترجمة: ريما الرفاعي

لا يعتبر قرار مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بانشاء لجنة تحقيق في شؤون المستوطنات مشكلة كبيرة لإسرائيل. ولن تكشف هذه اللجنة عن شيء لم يكن معروفا منذ سنوات للادارة الامريكية ودول الرباعية والاتحاد الأوروبي

وكل أصدقاء اسرائيل. ولن يتم الكشف عن أي شيء مستتر أو مفاجئ ، وما تسببه المستوطنات من أضرار للفلسطينيين مسألة واضحة وموثقة ومفصلة بآلاف الوثائق التي اعتراها الاصفرار من شدة الاهمال.‏

ولن تفاجىء النتائج ايضا الامم المتحدة باعتبارها منظمة لأن المشكلة ليست التحقيق في أضرار المستوطنات بل في حقيقة الضرر الذي أحدثته بإذن حكومات اسرائيل وتشجيعها. ان اسرائيل تسيطر على اراض على نحو ظاهر ومعلن وبلا خوف وتمنع تنقل المدنيين وتصادر كما تشاء اموال السلطة الفلسطينية، وتُطبق نظم قوانين منفصلة على اليهود والفلسطينيين.‏

كما ان الفلسطينيين لا يحتاجون ايضا الى لجنة التحقيق هذه لأنهم يعيشون واقعا يوميا أضرار المستوطنات ويدركون ان صورة رينتغن التي ستعرضها اللجنة ليست بديلا من علاج مرضهم الخبيث. ان الاسرائيليين وليسوا حكومتهم، هم الذين يحتاجون الى لجنة تعد لهم ملفا منظما يشمل سلسلة المظالم والجرائم التي تفعلها الحكومة والمستوطنون باسمهم، انهم يحتاجون لكنهم في الحقيقة ليسوا مهتمين بهذا الامر.‏

والخوف من اللجنة هو ان تبرهن على ان اسرائيل ليست وحيدة مرة اخرى. حيث دول مثل سيريلانكا وايران والصين وروسيا وليبيا ايضا لا تحب مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. وينبغي عدم الرد حتى على مكالمة هاتفية من اللجنة، كما أمرت وزارة الخارجية مندوبيها. هل هذه بطولة سياسية؟ وهل هي ثبات صلب في مواجهة عدو؟ هذا أمر مشكوك فيه. ويبدو ان الذعر الاسرائيلي يشهد أكثر من أي شيء بأن الفلسطينيين الذين لا دولة لهم نجحوا في انشاء منظومة وسائل مجتمعة لمواجهة اسرائيل. وكلما تبنى عدد أكبر من وكالات الامم المتحدة السلطة الفلسطينية بصفتها دولة، ستمضي اسرائيل وتبعد نفسها عن المنظمة، وهي لعبة نتيجتها مساوية للصفر.‏

صحيح ان الامم المتحدة على اختلاف مؤسساتها هي جبهة صعبة ومعادية لاسرائيل احيانا، ولكن العيب الرئيسي فيها أنها لا تستطيع العمل إلا حيث يسمحون لها بذلك، وهي تاليا لا تفعل شيئا الا حيث لا يخشون ضررها. ويصعب عليها ان تحل صراعات دولية أو تمنع حروبا أو ترمم أضرارها. وتُستخدم في الأساس حلبة ألعاب للقوى العظمى حصرا، وليس لسائر الدول التي تحتاج الى حمايتها. لكن قوتها الرئيسية هي في قدرتها على إساءة سمعة الدول التي لا تتقيد بقواعد اللعب المستخدمة فيها و لو كان الحديث عن قوة من القوى العظمى.‏

وعندما استخدمت روسيا حق النقض بشأن سورية،أصبحت في نظر العالم الغربي والعربي دولة شريرة، عندما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض بشأن التنديد بالمستوطنات، تلقت انتقادات كثيرة من أنحاء مختلفة من العالم وليس من الدول العربية وحدها.‏

ليس ثمة دولة ترى الامم المتحدة ساحة عادلة، لكنها هي الساحة الوحيدة التي تتبلور فيها معايير معقولة ومتفق عليها تقريبا لسلوك الدول، وهي التي تمنح مصطلح «المجتمع الدولي» الذي يريد الجميع حتى اسرائيل الانتماء اليه، تمنحه معنى ما.‏

ومن هنا، ورغم السخرية العميقة وصراع اسرائيل التاريخي مع الامم المتحدة، تضطر اسرائيل ايضا الى معاملة المنظمة بكامل الجدية. فهي تطلب اليها ان تفرض عقوبات على ايران، وأدركت متأخرة جدا ما هو معنى رفضها التعاون مع لجان تحقيقها (كما حدث في قضية غولدستون)؛ وهي تعرض عليها انتهاكات لبنان الامنية، ودافعت عن الصهيونية بعد ان وصمتها المنظمة الدولية بأنها عنصرية؛ وهي مدينة لها بالطبع بالاعتراف بحقيقة وجودها كدولة قبل أكثر من ستة عقود.‏

لا تحتاج لجنة التحقيق من الامم المتحدة الى تعاون حكومة اسرائيل. فقد رتبت أمورها بصورة جيدة جدا في بلدان اخرى مثل ايران والصين وسيريلانكا ايضا من غير تعاون حكوماتها. وهكذا تُرى هذه الحكومات وهكذا تُرى اسرائيل ايضا. ونحن نعلم الحقيقة وهم يعلمون، يظل الشيء الأساسي هو الصورة الخارجية، ومطلوب ألا يمزقوا عن وجوهنا القناع وأن يتركوا لنا لباس التنكر، كي نواصل تقديم أنفسنا على غير حقيقتها.‏

 بقلم: تسفي برئيل‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية