تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لبيب رسلان بين التشكيل والديكور التلفزيوني... وجوه وأشكال صامتة في فراغ تجريدي

ثقافة
الثلاثاء 10-4-2012
أديب مخزوم

بدأت رحلة الفنان لبيب رسلان مع الرسم منذ أيام طفولته الأولى، و أخذت موهبته تتوضح أكثر فأكثر في مرحلة دراسته الإعدادية في مدينة حمص، ولقد ترك المناخ اللوني الرمادي المستمد من تأملاته لمدى الافق في الامكنة القديمة ونهر العاصي، تأثيراته الواضحة على مجمل لوحاته السابقة والجديدة.

كما اضفى عمله في المسرح على لوحاته جوا دراميا، من خلال تركيزه على مواضيع محددة مثل الزجاجات المحاطة بالفراغ والصمت بأشكالها وألوانها المختلفة.‏

ألوان المدى والعاصي‏

وفي الثمانينات برز اهتمامه الكبير بالعمل على موضوع النافذة ومعالجة الاضواء وانكساراتها على زجاج النوافذ. ففي جميع مراحله ومواضيعه جسد لبيب رسلان حالات من العزلة والانطواء والوحدة، فالفراغ المحيط بأشكاله الصامتة، ليس سوى فسحة تقيم علاقة بين الفراغ والسكون وبين التشخيص والتجريد، ففي امتداد الفراغ تتجمع عدة زجاجات أو تبرز زجاجة في اللوحة الواحدة، وتبدو كما لوكانت تريد أن تختفي في الفراغ الذي يحيط بها، أو يكاد يطبق عليها. وهو يهتم عموماً بالصفاء الموسيقي أو الصفاء اللوني، إلى درجة تمنعه عن استخدام ضربات الفرشاة المتتابعة، وبذلك يبتعد عن الغنائية اللونية، ويقترب من الشاعرية البصرية التي تضفيها تقنية وضع المساحات اللونية، التي يقدمها في احيان كثيرة باستخدام فرشاة عريضة، وهذا ما يؤدي إلى تبسيط الإيقاعات التشكيلية البصرية في مساحة اللوحة، حتى أنه غالباً ما يصوغ تلك المساحات بلون واحد محدد، يطغى على اتجاهات المساحة القماشية التي تشكل حيز اللوحة، وهذا اللون مستمد من مخزون ذاكرته البصرية الطفولية في حمص، حين كان يمعن النظر في تأملات العناصر والاشكال الطبيعية المحيطة به.مثلما هي الحال في قسم من لوحاته التي يستخدم فيها اللون الأخضر المائل للزرقة ثم اللونين البني والرمادي الأكثر حضورا في لوحاته، ونرى من خلال هذه المناخات اللونية المحلية،مساحات مدروسة مشغولة ببحث يهدف الوصول إلى شاعرية بصرية خاصة ومميزة.‏

لمسات شاقولية‏

واللوحة عنده تتألف من مساحات لونية متعاقبة، غالباً ما تأتي عبر لمسات شاقولية، تنسجم أو تتنافر، حيث يمكننا أن نجد أحياناً بعض المساحات المنفذة بألوان شفافة متقاربة، وعلى العكس من ذلك نجد أحياناً أخرى مساحات لونية معتمة بجانب مساحات ساطعة الإضاءة.‏

هكذا نرى في لوحات لبيب رسلان تجريباً على أشكال محددة ومختصرة ومختزلة، حيث تظهر مجموعة من الزجاجات في بعض اللوحات. وقد يظهر الانسان والنافذة في بعضها الآخر. وهو في جميع الحالات يضع الزجاجة أو النافذة في حيز من اللوحة، مشكلاً بذلك البؤرة التي تجذب العين دون سواها في مساحات اللوحة، في حين يترك المساحات اللونية التي تشغل بقية أجزاء اللوحة فارغة من أي شكل. وبذلك يدخلنا في صياغة تحول اللوحة إلى التعبير المطلوب، الذي يساعد على إبراز الشكل المستمد من الواقع داخل الفراغ، فتتحول اللوحة إلى حالة تعبيرية تعكس مشاعر الوحدة والغربة والاقتلاع في الأزمنة الراهنة، وفي أحيان أخرى يقدم بيتاً قديماً في احد أطراف اللوحة، فتبدو الأشكال التي يعالجها متجاورة مع فراغ اللوحة، وكأنه لا يهدف إلى أي غاية سوى التعبير عن الفراغ الروحي المفجع الذي يلف حياتنا الراهنة.‏

***‏

بطاقة‏

لبيب رسلان من مواليد حمص عام 1939، درس الفن في القاهرة ودمشق، وحاز على جوائز شرف تقديرية عربية ومحلية، وعمل الى جانب انتاج اللوحة وعرضها، محاضرا في كلية الهندسة مابين عامي 1971 و 1991 وانجز عشرات الديكورات لمسرحيات وافلام سينمائية واعمال تلفزيونية شهيرة.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية