|
شؤون سياسية رابعاً: الحق في مقاومة الاستعمار الأجنبي والاحتلال: كان الحق في شن الحرب وممارسة الأعمال الحربية ضد العدو معترفاً به للدول المتحاربة فقط, وهذه الدول تنوب عنها حكوماتها الوطنية التي تخوض الحروب بواسطة جيوشها الرسمية وبقية القوات المسلحة الملحقة بهذه الجيوش (الحرس الوطني, الدرك, قوات الدفاع الاحتياطي) ومنذ عقد مؤتمر بروكسل عام 1874 اعترف لجماعات الأفراد العاديين, حتى لو كانوا من المدنيين بالحق في شن الحرب ضد قوات العدو وأملاكه في حالتين: 1) حالة الانتفاضة الشعبية LEVEE EN MASSE: وتتحقق في حالة قيام دولة بغزو اقليم تابع لدولة أخرى, فإذا قام سكان الإقليم المغزو, أو نفر منهم, بالنهوض معاً لإيقاف الغزو أو صده, دون أن يتوفر لهم الوقت الكافي لتنظيم أنفسهم عسكرياً, فإن على العدو معاملتهم كمقاتلين شرعيين وبالتالي معاملتهم كأسرى حرب إذ اسقطوا تحت يده, ولا يجوز له بالتالي محاكمتهم على أعمالهم الحربية التي قاموا بها ضد قواته وأملاكه, طالما أنهم تقيدوا بقواعد قانون الحرب في أعمالهم هذه. 2) مفارز المقاومة الشعبية RESISTANCE: تضمنت لائحة الحرب البرية الملحقة باتفاقيات لاهاي لعام ,1899 واتفاقيات لاهاي لعام ,1907 نصاً يقضي بمعاملة مفارز المقاومة الشعبية في الأقاليم المحتلة حرباً, والتي تناضل ضد قوات العدو وأملاكه لإزالة الاحتلال, حتى اعتبارها بمثابة مقاتلين نظاميين, وبالتالي معاملة أفرادها كأسرى حرب عندما يقعون في يد العدو إذا توفرت فيهم أربعة شروط: 1- أن يخضعوا لقيادة مسؤولة عنهم. 2- أن تكون لهم إشارة تميزهم عن غيرهم. 3- أن يحملوا أسلحتهم بشكل علني. 4- أن يتقيدوا بقواعد قانون الحرب في العمليات التي يشنونها ضد العدو. وقد تم اعتماد هذه الشروط الأربعة نفسها في اتفاقية جنيف الثالثة ,1949 الخاصة بأسرى الحرب, كما تم احترامها وتطبيقها في الحروب التي شنها الثوار ورجال المقاومة وقوات الأنصار(البارتيزاف) في حروب إندونيسيا والملايو والهند الصينية (لاوس, فيتنام, كمبوديا) في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. ولكن لوحظ منذ بداية الستينيات أنه من غير المنطقي إلزام رجال المقاومة الشعبية بارتداء شارة تميزهم عن غيرهم, أو بحمل أسلحتهم بصورة علنية (الشرطان الثاني والثالث), لأنهم إن فعلوا ذلك جعلوا من أنفسهم هدفاً يسهل صيده بسرعة, لذا قامت أطراف معاهدة جنيف بوضع بروتوكول ملحق بالاتفاقيات عام 1977 واكتفى نص هذا البروتوكول بشرطين فقط من الشروط الأربعة المذكورة أعلاه وهما أن يعمل المقاومون تحت قيادة مسؤولة عنهم, وأن يتقيدوا في الأعمال الحربية التي يشنونها بقواعد قانون الحرب و بأعرافها. فإذا توفر هذان الشرطان أي الشرط الأول والرابع في المقاومين فإنهم يعتبرون بمثابة مقاتلين نظاميين ويلتزم العدو بمعاملتهم كأسرى حرب إذا وقعوا في قبضته, ومعنى هذا أنه لا يجوز له محاكمتهم أو سجنهم, و إنما يحق له فقط أن يضعهم في معتقل مفتوح بانتظار المبادلة عليهم أو إطلاق سراحهم. والغريب أن الولايات المتحدة واسرائيل هما الدولتان الوحيدتان اللتان تتنازعان في هذا الحق, حيث تصر الولايات المتحدة على إنكار صفة أسرى الحرب على الألف معتقل الذين تحتجزهم في غوانتانامو وبعض السجون الأخرى, وتفعل اسرائيل الأمر نفسه بالنسبة للمقاومين الفلسطينيين حيث تحاكم بعضهم على الأعمال الحربية التي قاموا بها ضد جيش الاحتلال وأملاكه, وهذا مخالف لنظام أسرى الحرب بينما تزج البقية الباقية منهم في سجونها إدارياً دون أدنى محاكمة, وهذا مخالف لنظام الضمانات القضائية المطبق في جميع الأمم.. خامساً) حق كل شعب في استثمار ثرواته الطبيعية: إن هذا الحق من ألصق الحقوق بالسيادة الوطنية وقد أكدت عليه عدة اتفاقيات دولية وعدد من القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة. ولكن حكومة الولايات المتحدة الأميركية لا تأبه لهذه القرارات جميعاً وتقوم بالتصرف كحاكم مطلق في شؤون هذه الثورات. ولقد اعترف بعض رجال السياسة الأميركية, عياناً بياناً, أن السبب الرئيسي لاحتلال الولايات المتحدة للعراق هو وضع يدها على أنابيب النفط العراقي والتحكم في إنتاجه وتوزيعه وهو الأهم وتسعيره, وليس من قبيل المصادفة أن يكون سعر برميل النفط قد تضاعف بين 2001 و2006 لأن المستفيد من هذه الزيادة هو الشركات المستثمرة وأغلبها أميركية أكثر من البلدان المنتجة! وكذلك فإن القلاقل لم تحدث في ولاية دارفور السودانية, خلال العامين الأخيرين, إلا بفعل أميركا وبعض شركائها الغربيين, وذلك بعد أن اكتشفوا أن هذا الإقليم غني جداً بالذهب واليورانيوم. وتضغط اليوم أميركا وحلفاؤها على الرئيس عمر البشير لكي يقبل بدخول قوات أممية إلى السودان وانتشارها في هذا الإقليم. وليست الغاية من دخول هذه القوات الأممية إقرار الهدوء في دارفور, وإنما صب الزيت على النار فيه, وذلك لكي يحدث في السودان ما حدث في العراق حيث تقوم قوات الاحتلال الأميركي ببث الإرهاب باسم القضاء على الإرهاب والدليل على ذلك أن الحوادث الإرهابية تضاعفت أكثر من عشر مرات عام 2006 عما كانت عليه عام .2004 سادساً) حقوق الإنسان الجماعية: والمقصود بهذه الحقوق هو تلك الحقوق المعترف بها للجماعات والشعوب كالحق في الاستقلال, والحق في العيش ضمن بيئة نظيفة والحق في التنمية المستديمة, والحق في الحفاظ على الهوية القومية والثقافة الوطنية....الخ ولكن الولايات المتحدة الأميركية لا تفهم حقوق الإنسان إلا ضمن إطار مصالحها الخاصة, فهي تؤيد مثلاً حقوق الإنسان الفردية وخاصة حق الفرد في العمل ضد الجماعة التي ينتمي إليها مثل. حقه في تغيير دينه, وحقه في تشكيل معارضة وحقه في رفضه جنسيته أملاً في اكتساب جنسية أخرى, وحقوق مثليي الجنس الواحد,ذلك من حقوق الآخرين. ولا ندري بأي منطق نقبل الاعتراف بكامل الحقوق لفرد في جماعة, ثم ننكر هذه الحقوق نفسها لجملة الأفراد الذين يشكلون معاً هذه الجماعة, وكيف نقر للفرد بحق دفاعه المشروع عن نفسه وإرادته الحرة في تقرير مصيره, ثم ننكر حق المقاومة المشروعة أو حق تقرير المصير لشعب بكامله. والشاهد اليوم في 13/7/ 2006 حيث استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي, لإبطال مشروع قرار يطالب الحكومة الإسرائىلية بالانسحاب من قطاع غزة, بحجة أن كل ما قامت به اسرائيل من جرائم في القطاع كان دفاعاً مشروعاً عن النفس, وأي نفس, نفس عريف اسرائيل ثم أسره (لا اختطافه) بعد معركة حربية. وأما قصف الأراضي الفلسطينية ثم اللبنانية من البر والبحر والجو, وسقوط عشرات الشهداء يومياً وبينهم الكثير من النساء والأطفال وأخذ عشرات الرجال المسؤولين الفلسطينيين من نواب ووزراء كرهائن وقصف المقر الرسمي لرئيس الحكومة الفلسطينية ووزارة خارجيتها, وحصار الشعب الفلسطيني في تحركاته ولقمة عيشه, فكل هذه أعمال مشروعة لا تستحق إدانة المجتمع الدولي لها, ولهذا استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ضد مشروع القرار الذي يطالب بالانسحاب الاسرائيلي- مجرد الانسحاب دون إدانة أو دفع تعويضات- من غزة. سابعاً) التعاون السلمي بين الدول: تنتج آلة الصناعة الأميركية نصف الإنتاج الحربي في العالم, ومن الطبيعي أن تستخدم القوات المسلحة الأميركية جزءاً من هذا الإنتاج فقط وأما الجزء الباقي منه فلا بد من تصديره إلى الدول الأخرى. ولإقناع هذه الدول الأخرى بشراء السلاح الأميركي لا بد من شعورها بالحاجة إليه, ولا يتوفر هذا الشعور إلا إذا دفعتها الظروف الداخلية أو الإقليمية لذلك. ولهذا لا تنفك حكومة الولايات المتحدة عن خلق أزمات ونزاعات وبؤر توتر في بلدان العالم النامي, وخاصة البلدان العربية والإسلامية . ومثل هذه الأزمات والنزاعات توفر للدولة الأميركية نوعين من الفوائد: 1- فوائد سياسية: لأن مثل هذه الأزمات والنزاعات تضعف الدول التي تقوم فيها من جهة وتشكل مبرراً للتدخل الأميركي فيها من جهة ثانية. 2- فوائد ا قتصادية: لأن حالة عدم الاستقرار أو الشعور بعدم الاستقرار يدفعان الدولةالمعنية وأحياناً دول المنطقة بكاملها للتهافت على شراء الأسلحة, ما يساعد على إنعاش معامل صناعة الأسلحة في أميركا, وينعكس ذلك على الاقتصاد الأميركي بكامله. وبهذا تظل الحروب المحلية والثورات الداخلية مستعرة وتظل الطلبات على ا لإنتاج الحربي الأميركي متواترة وتظل آلات المصانع الحربية الأميركية دائرة لأن هذه المصانع- كما قال أحد المعلقين السياسيين الفرنسيين ساخراً- لا يمكن تحويلها إلى إنتاج العطور أو الآيس كريم!. ولكي تحافظ الولايات المتحدة الأميركية على حالة التوتر وعدم الاستقرار والفوضى الخلاقة حسب تعبير الآنسة كوندوليزا رايس, لا بد لها من (بُعبُع) لإخافة الدول, وقد كانت الشيوعية هي هذا البعبع في الزمن الماضي, ولكن بعد زوال الاتحاد السوفييتي عام 1990 كان لابد من ايديولوجية بديلة يتم التخويف بها, وهكذا تم طرح الإسلام على أساس أنه (حضارة متطرفة ومعادية لحضارة الغرب) في كتابات دهاقنة المحافظين الجود من أمثال (فوكوياما) و(هانتنجتون) و(ريتشارد بيرل) الذين قدموا الإسلام لا كدين إنساني متسامح كما هو بالفعل(لكم دينكم ولي ديني) وإنما كجملة تعاليم متطرفة أصولية لا تنتج إلا الإرهاب والإرهابيين. وفي الوقت الذي تجد فيه علماء المسلمين وفقهاءهم المتنورين ينادون ب(حوار الحضارات) تجد المحافظين الجدد في أميركا يصرون على فكرة (صراع الحضارات). والمؤسف في الأمر أن الإدارة الأميركية تمكنت من جر هيئة الأمم المتحدة إلى موقفها المتزمت هذا, وإلا فكيف يمكن تفسير الواقع القائل بأن تسعة أعشار الدول التي صدرت ضدها قرارات زجرية عن مجلس الأمن , بموجب الفصل السابع من الميثاق هي دول عربية أو إسلامية (ايران,العراق, الصومال, السودان, ليبيا, سورية, لبنان...). وهكذا يمكن القول إنه لم يعد هناك إيديولوجية يمكن أن تقف في وجه (أمركة العالم) بعد زوال الشيوعية, إلا الإسلام, ولهذا قامت قيامة دهاقنة سياسة الهيمنة الأميركية وبدؤوا بتقديم الإسلام على أنه الخطرالقادم من الشرق ووصفوه بالتطرف. |
|