|
كتب سطوت على هذا التصريح من مفكرة شاعر يشبهك بموهبته وألمه وشعره ومرضه أمل دنقل لأتحدث عنك عن قافية قصيدة بدأت مع كسرة الخبز الأولى وظلت جميلة رغم قدح الماء الأخير, لك الحق أن تخاطب حبيبتك بتلك الروعة النادرة (عيناك غابتا نخيل ساعة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر) لكن هل لك الحق في أن تنثرنا, تطحننا مع الصوان والحجر... طحن رحى تدور في الحقول وتهطل تلك الأسئلة الهامسة الصارخة وتسأل حبيبتك (أتعلمين أي حزن يبعث المطر? وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر?!) هل تعلم أنت أيها الشاعر المؤلم بأن الحزن يبعثه ألف سبب وسبب كحزن الإمكانات التي لا نستوعبها, لا نحققها... مثلاً أو حزن الذكريات عن أحداث لم تحدث (حزن الآمال التي يخالطها اليأس, الهلع والظلام وعتمة الموت) ما فاتتك هذه الأسباب مثلما لم يفتك أن الحزن هو الحقيقة هو أرض والسعادة طارئة كغيمة تمطر أولا تمطر وفق مسار قدر, نجهله ويعلمنا. بكل قصائدك عرفت وتنبأت أن العرب أمسهم هو كما قبل عشر سنين وكما قبل عشرة قرون وزمنهم القادم كما أمسهم رغم ذلك لا يطرحون الأسئلة ويثيرون غبار داحس والغبراء ومثل كل الشعراء الحقيقيين.... لم تملك قط موهبة استعدادك لمبادلة فؤادك بأشياء. ولا تقايض على ذاكرة أو ماض أو مستقبل كلها سواء كلها في القلب عن من هم مثلك أتساءل إذا ما استمررت بالكتابة عنك فإلى أي مدى سأصل في مغازلتك? حتى إنني عجزت عن كتابة بورتريه عادية كان يفترض أن تبدأ على هذا النحو: بدر شاكر السياب 1926- 1964 ولد بقرية جيكور جنوب شرق البصرة في عام 1960 أصيب بالسل وفي عام 1961 استبد الشلل بجسمه وتوفي بالمستشفى الأميركي في الكويت ونقل جثمانه إلى جيكور, من عناوين أعماله (أزهار ذابلة, حفار القبور, المعبد الغريق, شناشيل ابنة الجلبي, المومس العمياء, أنشودة المطر). أتحدى أن يتذكرك أحد إلا كما صيادك ..صياد حزين يجمع الشباك ويلعن المياه والقدر وينثر الغناء حيث يأفل القمر.. (مطر.. مطر ويصيح كالحب, كالأطفال ,كالموتى هو المطر سيعشب العراق بالمطر أصيح بالخليج, ياخليج, ياواهب اللؤلؤ والمحار والردى) فيرجع الصدى (كأنه النشيج) ياخليج ياواهب المحار والردى, وينثر الخليج من هباته الكثار على الرمال رغوة الأجاج والمحار وما تبقى من عظام بائس غريق وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق من زهرة يربها الفرات بالندى وأسمع الصدى يرن في الخليج مطر, مطر,مطر) نعم أيها السياب الصياد.. بعض القصائد تشبه الورود تقطفها الذاكرة للذكرى, لكن بعضها الآخر فيه من الشراسة بحيث تقطفنا. |
|