|
شؤون سياسية فقد حرصنا حرصاً كبيراً على تقديم الدليل الملموس للقرّاء , وهذا الدليل أشرف على وضعه بولتون بنفسه وقدمه على شكل كتاب بعنوان )الاستسلام ليس خيارنا . قراءة المكتوب من عنوانه: بصرف النظر عن عدد صفحات الكتاب وما حوى بين دفتيه, فإن عنوانه يشير إلى جملة من الحقائق يمكن الوصول إليها من خلال تحليل كل كلمة من كلمات العنوان, الكلمة الأولى: الاستسلام وهذه الكلمة تشير بوضوح إلى وجود حالة حرب قائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وعدو هي ابتدعته واخترعته سمّته الإرهاب, وأعلنت عليه حرباً لا تبقي ولا تذر , أطلقت رصاصاتها الأولى في أفغانستان وبعد ذلك في العراق. إنها الحرب التي حددتها الإدارة الأميركية وتركتها مفتوحة في الزمان والمكان فعلت ذلك لتبيح لنفسها التدخل في كل مكان ترى فيه تهديداً لمصالحها الحيوية في العالم, وربما ظل الساسة الأميركيون يؤدون صلاة الشكر لمصطلح الإرهاب فبفضله نصبوا أنفسهم رجال شرطة يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدول الأخرى, فتراهم يتهمون هذه الدولة بانتهاك حقوق الإنسان, وتلك بسعيها لامتلاك السلاح النووي, ويلوحون باعتقال هذا السياسي مسبغين عليه صفة مجرم حرب والقائمة طويلة ملأى بالاتهامات التي يفصلها قادة الإدارة الأميركية على مقاس المكان الذي يحلو لهم حشر أنوفهم ودس أصابعهم فيه. المجرم ينال صك البراءة دول العالم كلها تعرف كيف قامت إسرائيل كيان اغتصاب الحقوق والإبادة الجماعية على أنقاض فلسطين التي ستبقى عربية الوجه واليد واللسان ولكن )بولتون( يصر على تصوير الذئب الدامي المخالب والأنياب بمظهر الحمل الوديع فيقول في الصفحة 460 من كتابه ) أسيئت معاملة إسرائيل كدولة منذ إنشائها وذلك من أكثر الأمثلة وضوحاً على قدرة الأمم المتحدة على تشويه الحقيقة( الأمم المتحدة أساءت معاملة إسرائيل بنظر بولتون.. لماذا ?! لأنها أصدرت عدداً من القرارات التي تدين جرائم وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وقد ردت إسرائيل على هذه القرارات بطريقتين بينت بهما مدى احترامها وتقديرها للشرعية الدولية: الأولى بإدارة الظهر لهذه القرارات ورميها في سلة المهملات. الثانية بالاعتداء على مقر القوات الدولية في قانا اللبنانية لأنها رأت في المدنيين اللبنانيين الذين لاذوا بمبنى القوات الدولية هرباً من يد الموت الإسرائيلية هدفاً يهدد القوات الإسرائيلية, الطيور على أشكالها تقع يرى بولتون في تيري رود لارسن نموذجاً يحتذى في العمل الدبلوماسي ويقول عنه في الصفحة 461: )وهو دبلوماسي نرويجي يميل إلى الإفصاح عما يجول في ذهنه وكان ذلك مصدر سرور دائم لي, وإزعاج في الأمم المتحدة بالنسبة للآخرين , ومن الأمور البديهية أن يعجب السيد بولتونبذلك الدبلوماسي (لارسن) الذي أفصح عن حقده الباطن والظاهر على سورية التي قامت بدور مشرّف بإعادة السلم إلى لبنان وكانت ولا تزال تنظر إليه على أنه الشقيق التوءم لسورية الحريصة على مصلحة الدول العربية حرصها على مصالحها الشخصية رمية من غير رام: يقول بولتون في الصفحة 472 من كتابه متحدثاً عن السياسة الإسرائيلية(: أخذت السياسة الإسرائيلية تصبح أكثر تعقيداً, فقد قرر شارون ترك اللكيود وتشكيل حزب وحكومة جديدة, وهو قرار لا يزال صداه يتردد حتى اليوم, وفي 21 تشرين الثاني في إرهاص عجيب لما سيحدث في تموز 2006 شن حزب الله هجوماً واسعاً اشتمل على إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون عبر الخط الأزرق, أي الحدود بين إسرائيل ولبنان في منطقة مزارع شبعا وتلا ذلك رد انتقامي جوي إسرائيلي. رأيت أن على مجلس الأمن أن يصدر بياناً صحفياً على الأقل يدين هجمات حزب الله بشدة لذا تحدثت إلى المندوب الإسرائيلي دان غيلرمان(. لقد أصاب الأرنب العصا كما يقول المثل فالسفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة توقع أن يكون الجو ملائماً لتأديب حزب الله, لذلك سارع للتحدث مع السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة وحرص على أن يتم ذلك تحت غطاء تنسجه المنظمة الدولية متمثلاً بإدانة هجمات حزب الله. لكن بولتون لم يؤت موهبة الإطلاع على الغيب رمى رميته فأصاب الحقيقة عندما استعمل كلمة )إرهاص عجيب( فالإرهاص كان بهزيمة إسرائيل على أيدي أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية بعد عدوان تموز عام 2006 على لبنان, وهذه الهزيمة لم تكن معجزة سقطت فجأة من السماء ,بل كانت نتيجة طبيعية لرجال مؤمنين بقدسية ترابهم وعدالة قضيتهم, هم أبطال المقاومة اللبنانية, ورجال سلب ونهب هم الجنود الإسرائيليون الذين فروا من المعركة كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة . الرسالة الواضحة لقد عبر بولتون في كتابه عن مدى الحقد الكبير الذي يضمره للعرب, وعن ولائه المطلق لإسرائيل التي حزنت على رحيله من المنظمة الدولية لأنه كان بوقها المطبل المزمر لها, كان خادمها الأمين الذي يحرص على نيل رضاها حرصه على حياته لكن هذا الرجل سقط غير مأسوف عليه, ملتحقاً بركب أولئك الذين مثلوا التطرف بأبشع صوره داخل الإدارة الأميركية مثل دونالد رامسفيلد وأمير الظلام ريتشارد بيرل وولفويتز, وسيكون الرئيس جورج بوش آخر حبة تنفرط في مسبحة الحقد على العرب. |
|