تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


2011 موعد للانسحاب من العراق.. أهي مناورة جديدة?!

شؤون سياسية
الأحد 7/9/2008
حسين صقر

تماماً كما حصل عام 1922 عندما فرض الاحتلال البريطاني على العراق معاهدته الأولى والتي أسفرت عن إدارة لندن لسياسة بغداد عبر شبكة مستشارين بريطانيين في كل وزارات وإدارات الدولة العراقية, ومعاهدة عام

1930 التي وقعت قبل مدة قصيرة من الاستقلال وسمحت لبريطانيا بنشر قوات واستخدام قاعدتي الحبانية والشعبية الجويتين والأراضي العراقية ككل ممراً لها, وتحولت البلاد آنذاك إلى تابع افتقد الشرعية الوطنية والقومية.‏

والآن وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الحرب المدمرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق وجلبت الويلات والكوارث له وفي ظل الحديث عن تحديد لنهاية 2011 موعداً نهائياً لسحب القوات الغازية من هذا البلد, يمكننا القول: إن العراق يواجه احتلالاً جديداً وتهديداً أميركياً واسرائيلياً حيث تشير تصريحات المسؤولين في البيت الأبيض إلى رغبتهم في البقاء لعشرات السنين مع اعتراف القادة وخاصة العسكريين منهم بأن ماتم إحرازه على الأرض من تقدم في بناء القوات العراقية غير كاف, وكان آخر ماجاء في هذا الخصوص ماقاله قائد قوات الاحتلال هناك ديفيد بترايوس: لم أكن أعرف أنها حلقة دموية مفرغة لم تحقق مكاسب معنوية لافتة على الصعيد الأمني ومازال هناك الكثير من العمل للقيام به( حتى بتنا نستبعد هنا من أن عدم تحقيق تقدم في إعداد القوات العراقية والتأخير في بنائها يأتي على خلفية التذرع بالبقاء أطول فترة ممكنة, كون أهداف الغزو لم تعد مهمة بعد ماتم دفع أكثر من 600 مليار دولار من الخزينة الأميركية عدا الخسائر البشرية.‏

نستطيع القول :إن هذا المبلغ لم يدفع من أجل عيون العراقيين والإحاطة بنظام صدام وإن ماحصل على أرض الواقع يؤكد أن السبب هو السيطرة على العراق وإبقاؤه تحت الهيمنة الأميركية, أوجعله في أحسن الأحوال واحداً من الدول التي تسير في ركاب القرار الأميركي وجزءاً من السياسة الخارجية لها و منع قيام دولة قوية مستقبلاً هذا من جهة وحماية إسرائيل ومنع أي تهديد مستقبلي للكيان الصهيوني والمحاولة مرة أخرى في بناء مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحدثت عنه واشنطن كثيراً ولم ير النور.‏

والسؤال كيف يكون الحديث عن جدولة الانسحاب حديثاً جاداً في ظل بقاء 14 قاعدة عسكرية أو عشر أوحتى واحدة وبإمكان هذه القاعدة أن تكون أضخم قاعدة في العالم ويمكنها أن تشمل مساحة قد تكون أكبر من بعض الدول في المنطقة أو العالم, حيث يتيح الاتفاق الأمني فيما لوطبق فعلاً الوجود للقوات الأميريكية في العراق ويسمح باستخدامها الأجواء والأراضي والسواحل والمياه الاقليمية دون الرجوع للحكومة العراقية وهذا يعني بأن هذه الاتفاقية ستكون بديلاً عن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في القرار المرقم 661والصادر في 1990 والذي سينتهي العمل به في 31 آب الماضي الجاري, كما تسمح الاتفاقية لأميركا بنشر قواتها حسب ماتقتضيه الضرورة وهذا يعني إمكانية نشر صواريخ نووية أميركية على أرض العراق, وبالتالي تحجيم إمكانية أي حكومة عراقية ترغب في شراء أسلحة تقليدية دون معرفة وموافقة الجانب الأميركي مايعني أن تسليح الجيش العراقي سيكون مرهوناً بموافقة واشنطن, يضاف إلى ذلك مناهج التدريب العسكري وتغيير العقيدة العسكرية التي تتضمن الاستراتيجية العسكرية عدا الانعكاسات السلبية التي تسببها ومن أبرز شروطها المعلنة عدم إمكانية عقد اتفاقيات مع أي دولة أخرى تمس مصالح الولايات المتحدة ومشاركة العراق في محاربة مايسمى الارهاب.‏

أما من الناحية الاقتصادية فيجيز الاتفاق شراء النفط العراقي بسعر تفضيلي يصل الحسم فيه إلى 40%من قيمة سعر برميل النفط في الأسواق مع تفضيل الشركات الأميركية عن باقي الشركات الأخرى في التنقيب عن البترول والثروات الأخرى وصناعة تكريرالنفط وإقامة البنوك والمصارف وارتباط الدينار العراقي بالدولار وإعطاء الأولوية للرأسمال الأميركي في أي مشروع إضافة إلى جوانب ثقافية وإعلامية وتعليمية وغيرها لتكون بالنتيجة وثيقة انتداب أكثر مما هي وثيقة شراكة بين دولتين متكافئتين في السيادة والاستقلال وبالتالي خروج هذا الاحتلال من الباب ليعود من النافذة واستمرار عودة الجنود الأميركيين بالأكفان إلى ذويهم.‏

إن الحديث عن هكذا شروط وهكذا اتفاق هو محاولة يائسة من الرئيس الأميركي جورج بوش فيما تبقى له من فترة قصيرة في سدة الرئاسة لدولة الارهاب المنظم في العالم أن يحقق الانجاز الأخير فيما يتعلق بالعراق الذي حوله إلى أكثر البلدان فساداً وأكثر خطراً وأقل أمناً وأكثر عدداً فيما يتعلق باللاجئين والموتى عدا كل ماجلبه له من كوارث لاتعد ولاتحصى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية