تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من الصحافة الإسرائيلية...يديعوت أحرونوت :التهديدات الإسرائيلية .. بازار انتخابي

ترجمة
الأحد 7/9/2008
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

يكثر معظم المسؤولين الإسرائيليين هذه الأيام من إطلاق التصريحات النارية ان لجهة تلك التصريحات التي تنطوي على تهديدات مباشرة لكل من سورية وحزب الله واجتياح غزة اولجهة الاستعدادات التي يتخذها جيشهم لمنع ما يسمونه الخلل في الموازين في المنطقة ,

فقد صرح اولمرت بان إسرائيل ستواجه التهديدات بصورة قوية وان الوضع في لبنان يسير في غير صالح القوى المعتدلة في لبنان الذي يتحول الى دولة يحكمها حزب الله, ونقلت معاريف عن اولمرت قوله : ان إسرائيل ستدمر أي صواريخ تنصبها روسيا في سورية أما باراك فكان أكثر وضوحاً من اولمرت عندما أطلق تهديدا مباشرا لسورية وحزب لله بان جيشه سيستخدم خمسة فرق برية في حال نشوب حرب قادمة مذكرا ان جيشه في طريقه لاستعادة قدرته الردعية على مستوى التدريب والتجهيز والمهام,علاوة على ما أكد عليه باراك نفسه من ان الإدارة الأمريكية حالت دون قيام جيشه بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية خشية ان يضر ذلك بالمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم. والملاحظ بان كل هذه التصريحات أطلقت أثناء قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمناورة ضخمة بالذخيرة الحية في الجولان استخدمت خلالها شتى صنوف الأسلحة البرية والجوية والقوات النظامية وقوات الاحتياط على السواء.أما موفاز فيعتبر الأكثر تطرفا فيما يتعلق بالتعاطي ميدانيا مع الوضع في غزة أو على صعيد ما يسميه (الوضع الذي ينذر بأكبر المخاطر في الشمال) ..‏

هآ رتس : كم نحب قرع الطبول‏

والذي لابد لإسرائيل ان تعرف كيف تبعد هذا الخطر ,وموفاز هو صاحب نظرية كي الوعي الفلسطيني خلال الانتفاضة , وهو أيضا الشخصية العسكرية الإسرائيلية الأكثر تحمسا لضرب المنشآت النووية,أما عن ديختر ويعلون الذي يتأهب لدخول الحلبة السياسية في إسرائيل فحدث ولا حرج ,إذ وصفت صحيفة هآرتس التصريحات المتطرفة التي يطلقها الزعماء الإسرائيليين بازار التهديدات.‏

وبصرف النظر عن ان مثل هذه التصريحات جاءت وفق تقدير معظم المحللين الإسرائيليين في سياق الدعاية الانتخابية الذي يحاول خلالها كل من هؤلاء الزعماء تعزيز مكانتهم في مواجهة خصومهم السياسيين سواء أكان في أحزابهم أوفي الشارع السياسي في إسرائيل بشكل عام ,وعلى قاعدة تحميل اولمرت والحكومات التي سبقتها مسؤولية الإخفاقات والتراجعات التي أصابت الجيش الإسرائيلي في العقدين الأخيرين. فإذا كانت أيام اولمرت أصبحت معدودة , فان ما يطلقه من تصريحات نارية تندرج في رأي الكثير من المحللين الإسرائيليين في إطار الاستهلاك المحلي والتغطية على فشله وإخفاقاته طوال فترة حكمه.‏

غير ان اللافت في جميع هذه التصريحات ما يطلقة وزير الحرب الإسرائيلي باراك من تصريحات عدوانية مباشرة تكاد تكون شبه يومية لدرجة أثارت معظم المراقبين والمحليين العسكريين في إسرائيل وخارجها حيث اعتبر أليكس فيشمان مراسل يديعوت احرنوت العسكري بان تصريحات باراك تضع إسرائيل في جو من الحرب الحقيقية لكن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف هذه التصريحات النارية في نظر الكثير من المحللين هي أسباب تتعلق بوضع باراك المتدهور داخل حزب العمل وبوضع حزب العمل نفسه الذي يعاني من أزمة داخلية حقيقية ان على صعيد تراجعه المستمر حسب ما تؤكده استطلاعات الرأي , أو على صعيد تآكله الداخلي المستمر أيضا ,والسبب الأهم هو ان باراك يطرح نفسه بأنه سيد امن وانه الوحيد القادرة على إعادة الهيبة وقوة الردع لإسرائيل بعدما أصاب ذلك الكثير من الوهن وتضعضعت مكانتها في المنطقة والعالم على حد تعبير باراك نفسه ,و ما أثار انتباه المراقبين ما جاء على لسان باراك في ذروة مناورة جيشه على الحدود الشمالية : خرجنا للحرب غير مستعدين وغير جاهزين .... ,فقد قرر (مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون) وجوب الامتناع عن الحروب أو تأجيلها, لكن إذا فرضت علينا, فينبغي لنا أن نحقق فيها نصرا حاسما, على أرض العدو وخلال وقت قصير‏

ورأى باراك أن إسرائيل اليوم أحوج ما تكون إلى حكومة طوارئ قومية واسعة, في ظل المخاطر الأمنية والتسونامي الاقتصادي الذي يقترب. وقال على الزعامة مسؤولية اتخاذ القرارات, وفي هذا الاختبار أنا أنجح موضحا أنه إذا لم تنجح محاولة تشكيل حكومة طوارئ, فمن الواجب الذهاب لانتخابات عامة(. بمعنى ان باراك في نظر المحللين الاسرائيلين يدعو الى العودة الى تعاليم بن غوريون , ففي الجانب السياسي فهو يرى بان إسرائيل تواجه تحديات كبيرة على المستوى الاستراتيجي الأمر الذي يستدعي وجود حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ كما درجت علية الحكومات الإسرائيلية العمالية في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي , أما على المستوى ألعسكري ,فيرى ان العودة الى الجذور في هذا المضمار سيعيد مكانة وهيبة وقوة إسرائيل الردعية كما كانت عليه في تلك العهود أي ان باراك يقصد العودة للتمسك بأحد أهم الثوابت النظرية للعقيدة القتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي التي أرساها بن غوريون عشية الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني والقائمة على عنصري المفاجئة وزمام المبادرة ونقل المعركة الى ارض العدو .‏

فالمتتبع لكتابات وتحليلا ت الخبراء العسكريين والأمنيين الإسرائيليين وكل من يتعاطى مع النظرية الأمنية في إسرائيل منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 يلحظ ,الدعوات الكثيرة لإعادة صياغة هذه النظرية والتخلي عن الكثير من الثوابت البنغورية على ضوء التطورات الكبيرة التي شهدتها العلوم العسكرية وخاصة في مجال تطور الصواريخ البالستية والتطور التقني في المجال العسكري أيضا , ولعلنا نتذكر دعوة باراك نفسة عندما كان رئيسا للأركان ورئيسا للحكومة بعد ذلك الى إعادة هيكلة بنية الجيش الإسرائيلي على قاعدة بناء جيش طائر وذكي يأخذ بعين الاعتبار كل التطورات الحاصلة في المجالات الأنفة الذكر.‏

والغريب في الأمر ان باراك هو نفسه الذي اتخذ قراراً بالانسحاب الأحادي من جنوب لبنان عام 200 عندما كان رئيسا للوزراء على قاعدة نفس المنطق في الجانب العسكري المتعلق بإعادة بناء الجيش الإسرائيلي , وتحقيق بعض الأهداف السياسية على صعيد فصل المسار اللبناني عن السوري الذي كان يطمح بتحقيق تسوية مع السوريين في حينه والانفراد بالتالي بالجانب اللبناني حين أثبتت الوقائع فشله في تحقيق ذلك كله ,وبرز تطور أخر كان له الأثر المباشر على البيئة الاستراتيجية المتصلة اتصالا وثيقا بإسرائيل من حيث الواقع الجغرافي ألا وهو انتفاضة الأقصى وما تركته من مفاعيل قوية بعيدة الأثر على مجمل النظرية الأمنية والعقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي سواء بسواء , انعكس بشكل جلي بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة بعد ان وصل قادة الجيش الإسرائيلي قبل شارون نفسه باستحالة حسم هذا النوع من الحروب بالخيار العسكري.‏

على أي حال , احتلال العراق ,وانهيار التوقعات الإسرائيلية المتوهجة( جراء وصول السياسات الأمريكية في العراق والمنطقة بشكل عام الى ما وصلت إليه هذه الأيام,وما يراه كثير من المحللين العسكريين وحتى معظم قادة لجيش الاسرئيلي البارزين من سوء الم بالبيئة الاستراتيجية الإسرائيلية بعد التحسن الكبير الذي طرأ عليها في أعقاب الغزو الأمريكي في العراق , وحزمة التحديات والتهديدات والمخاطر الوجودية المحدقة بإسرائيل في هذه المرحلة بالذات , أحدث الكثير من البلبلة والارباك الواضحين بحسب أليكس فيشمان المحلل العسكري في يديعوت احرونوت في الرؤية والتفكير العسكري على صعيد الجهود المبذولة في مجال إعادة تأهيل لجيش المذكور, انعكس هذان العاملان ( البلبلة والإرباك) أيضا في الحرب العدوانية على لبنان في تموز 2006 سواء على مستوى أداء الجيش أو تحريك القوات البرية والدبابات أو فشل الوحدات القتالية من تحقيق أي هدف يذكر والاهم من ذلك سقوط نظرية الجيش الطائر والذكي عندما فشل سلاح الجو بالرغم مما أحدث من دمار هائل في البنى المدنية النحتية في لبنان في تحقيق أي الأهداف أيضا ناهيك عن فشل تلك الحرب في تحقيق الأهداف السياسية التي وضعت عشية شنها من قبل إسرائيل ويكفي ان نتصفح تقرير لجنة فينوغراد لكي نثبت هذه الحقائق .‏

وآيا ما تكن أهداف ونوايا الزعماء الإسرائيليين من وراء تهديدهم ووعيدهم ,فان كثيرا من المحللين العسكريين الإسرائيليين يجزمون بان جيش الاحتلال الإسرائيلي لن يكون قادرا على الدخول في أي حرب قبل أربعة أو خمسة أعوام ,الى جنب اعتقادهم بان الحروب المقبلة تختلف عن كل الحروب التقليدية التي الفتها إسرائيل مع العرب وبحسب ألون بن دافيد المراسل العسكري في القناة الأولى : تستطيع أي دولة ان تدخل الحرب لكنها لا تستطيع ان تعرف مسبقا كيف ستخرج منها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية