تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبو طبلة.. صامد أمام التقنيات الحديثة

رمضانيات
الأحد 7/9/2008
محمد قاسم الخليل

ارتبط السحور بشهر الصيام , وهو طعام مبارك حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( تسحروا فإن في السحور بركة) ,

ولحرص المسلمين على طعام السحور تعددت وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم وقت السحر , ولهذا الغرض ظهرت شخصية المسحر الذي يحلو لبعضهم تسميته ( أبو طبلة ) وبدأ انتشار المسحرين بشكل واسع في القرن الثاني الهجري .‏

يبدأ المسحر عمله مع أول يوم من رمضان , وينحصر عمله في ذلك الشهر وينتهي مع نهايته, وكان السوريون يحتاجون إلى المسحر بسبب عدم وجود وسيلة لإيقاظهم لتناول السحور, والآن ومع كل التطور الموجود في عصرنا وتنوع وسائل الإيقاظ من منبه وتلفاز وهاتف وجوال إلا أن المسحر مازال يقوم بهذه المهمة في الأحياء القديمة في المدن والأرياف , وبعض الأحياء الحديثة المحافظة على التقاليد , وينتظر الناس سماع صوت طبلته ويطربون لصوته وهو يردد: يا نايم وحد الدايم..‏

وكان لكل حي مسحر أو أكثر حسب مساحة الحي وكثرة سكانه , وقبل رمضان كان يطوف على البيوت ويكتب على باب كل بيت أسماء أفراده حتى يناديهم بأسمائهم أثناء التسحير , ويبدأ المسحر جولته قبل موعد الإمساك بساعة أو ساعتين, يحمل طبلته بحبل في رقبته فتتدلى إلى صدره, أو يحملها بيده, ويضرب عليها بعصا خاصة. وكان يرافقه شخص آخر يحمل الفانوس, ثم اختفى الفانوس وبقي المسحر يقف عند أبواب بعضهم ويصيح باسمه ليوقظه , ويردد أثناء تجواله بين الأزقة عبارات مختلفة تتناسب مع شهر رمضان .‏

وكانت دمشق مقسمة إلى قطاعات وكان المسحراتية يتقاسمون هذه القطاعات فيما كان يطلق عليه الضمان من الحكومة التي كانت تعلن عن جعالة ( أجرة ) لكل مسحر يضمن حيا من الأحياء .‏

وكنا نسمع عند وقت السحور المسحر ينادي ياأبا فلان , وعندما يرد عليه صوت من الداخل يقول المسحر : ( وحد الله ) , وفي بعض الأحيان كان الأطفال يلحقون المسحر ويرددون خلفه : ( أبو طبلة مرتو حبله .. شو جابت ما جابت شي .. ألخ ) , وكان المسحر ينهرهم أحيانا ويبش في وجوههم أحيانا أخرى حسب المستوى المادي لأهل الطفل .‏

وكان للمسحر ثلاث جولات: إحداها يومية تشمل كل الحي لإيقاظ الناس وقت السحر, والثانية يومية تشمل بعض الأحياء بالتناوب لجمع الطعام والمساعدات, ويصطحب معه في هذه الجولة مساعداً ليحمل سلة وبعض الأطباق لوضع ما تجود به العائلات من أطعمة, ويضطر لوضعها مع بعضها في طبق واحد أحياناً , لذلك يتردد على ألسنة الناس المثل الشعبي الذي يقول ( مثل أكلات المسحر) لمن يضع في طبقه عدة أنواع من الطعام دفعة واحدة , وأصبح الناس اليوم يجودون بالمال بدل الطعام , وبعض المسحرين يقومون بتوزيع ما جمعوه على (المقاطيع ) من الأرامل والأيتام والغرباء الذين انقطعت بهم السبل , وغالبا ما كان يتواجد هؤلاء عند باب الجابية ويقولون الصايم مرزوق .‏

أما الجولة الثالثة للمسحر فكانت أيام العيد لجمع العيديات من الناس, وترافقه في هذه الجولات طبلته التي هي بمثابة هويته الخاصة , ويسير معه ابنه أو شخص يساعده على حمل الهدايا .‏

وعلى امتداد العالم الإسلامي اتخذ المسحرون أشكالا مختلفة ففي عمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة وهو يقول يا نائمين الليل قوموا اتسحروا سحور .. سحور يا صائمين , وفي الكويت يقوم المسحراتي الذي يسمى أبو طبيلة بالتسحير ومعه أولاده فيردد بعض الأدعية وهم يردون عليه , وفي اليمن يقوم بالتسحير واحد من الأهالي بالحي حيث يدق بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائما : قوموا كلوا , وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوسا ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلا (يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم ( .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية