|
شؤون ثقا فية في ( قلوب) فرقة الرصيف لحكيم مرزوقي ضوء كاشف يسلط على مكان واحد محدد .. غرفة في قسم القلبية في مشفى .. حيث مسرح الأحداث الذي تنفلش عليه دواخل الشخصيات النسائية الثلاث وتنداح عذاباتها ,ولأن المشافي منطقة فاصلة بين الحياة والموت , تماما كأوراق الكتاب .. ولأن للأسرة البيضاء ذاكرة لا تعترف بالمساحيق ولا بربطات العنق , اختار مرزوقي مكان الحدث الذي تنبض فيه قلوب معذبة رغم اعتقادي بأن كل نقطة في أي مكان يمكن أن تفصل بين الحياة والموت وتكون هامشاللغياب أو للحضور, الممرضة غصون (هيلين الجنابي ) والزوجة سوزي (رباب مرهج ) والعشيقة ميمو (رولا ذبيان ) يجتمعن في تلك الغرفة التي هرب منها المريض - الرجل المحور الذي تدور حوله أكوان أولئك النسوة رغم اختلاف طبيعة علاقة كل منهن به . رزوق غصون أو عبودي ميمو أو رزق سوزي لا فرق فالأسماء تعددت والرجل يجيد ممارسة طقوس الذكورة والشعر واستهلاك الأنوثة ... نساء يجمعهن رجل ويفرقهن هذا الرجل عينه وفي صراعهن لتقاسم ذكورته يفقدن الكثير من أنوثتهن :(رزوق رجل واحد ونحن ثلاث نساء واحدة تحب منه جمسه فقط ,وأخرى لا تحب منه غير روحه وثالثة لا تحب منه غير رأسه). والممرضة العاشقة لشعره لا تدري لماذا هي هنا وتجيب : ربما لأنني لست هناك ?! وهو الرجل الذي نسي قلبه في داخلها كما ينسى جراح مقصه في أحشاء المريض وهو ميزان الحرارة الذي قد ينكسر زجاجه تحت أسنان المريض فيبتلع الزئبق وكان قلب رزوق ذلك الزئبق الذي ابتلعته: يوحد هرب المريض مع امرأة أخرى (لورا) مشاعر الفقد لدى النساء الثلاث لكن مصائرهن تختلف إذ تتزوج الزوجة من الطبيب المناوب وتعود العشقية إلى زوجها ليستمر مسلسل الكدمات الزرقاء, أما غصون الممرضة فتموت تحت وطأة عشقها ووفاء لها يسمي رزوق طفلته الجديدة من زواجه ب لورا (غصون ) : تنفرد النساء في السرد ويغيب الرجل على غرار ما يحدث في كثير من أدب النساء -ونتعرف عليه من خلالهن ,ليتكون لدينا كمتفرجين ثلاث نسخ لرجل واحد قد يتعدد أيضا لو أتيح لنساء أخريات أن يشاركن ! في خاتمة العرض يطل الرجل بصوته الغاضب ليعلن عدم رضاه عن نفسه وعما فعلته به الكتب والبلاد والعباد والأيام , وعدم الرضا عن غضبه متسائلا من قال إن السكوت علامة الرضا? فما علاقة الغضب : لعلها السكوت أو الرضا ! ويطول الحديث الشعري الآتي من مكان مجهول متمنيا لو أنه ولد مثل حيوان غير أليف وغير محتفل بيوم ميلاده !! هو غاضب رغم كل شيء وغير راض حتى عن رضا أمه عنه كطفل ولد نحيلا وأسمر وأرعن وضعيف النظر وغير راض أيضا عن أداء أبيه في تلك الليلة قبل تسعة أشهر من التاسع من أذار 1966 : رزق الله عبود الاسم الذي يوحد الاسماء الثلاثة (رزق -رزوق عبودي ) محتج على كل شيء وغير راض حتى عن رضاه لكنه راض بكل العقوبات التي سلطت ضده نتيجة غشه (حين كان حيوانا منويا يسابق زملاءه الأخرين نحو تلقيح بويضة ) وتسرعه هو وأمه وأبيه ونتيجة عدم رضاه : كان بإمكان تلك القلوب المفتوحة على المسرح أن تضحكنا بمرارة ..وعرض حكيم مرزوقي الذي ربما جسد رزق الله عبود ملامح من حياته أوتبادلا الأدوار في مكان ما في لحظة ما - يلامس المتفرج كما حد سكين رهيف يمرر دون أن يقطع فيتقمص حالات الشعور بالألم المؤقت الذي يزول بانتهاء العرض ..هو عرض جمع البساطة والعمق, الحزن والفرح ,الحب والخيانة, ودخل الشعر كقيمة مسرحية جديدة وقدم باللهجة العامية السورية لأن الرصيف ابن الشارع والمهمشون أولاد الحياة الغارقة في الظل وقد عمد حكيم مرزوقي في معظم أعماله المسرحية إلى استخدام العامية من منطلق إلغاء الحواجز بين ما هو منطوق وماهو مفكر فيه أي بين الفم والأذن كما يقول ... |
|