تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحتفي بغادة السمان على طريقتها .. سمر يزبك : حرية المرأة تحوَّل إلى شعار فارغ

شؤون ثقا فية
الأحد 7/9/2008
وفاء صبيح

في المرحلة الابتدائية من دراستها تنبأت لها المعلمة:ستكونين اجمل كاتبة في العالم .مذ ذاك وسمر يزبك تتعامل مع (حالها) على انها كاتبة ,

وتتعاطى ونصها الابداعي وكانه وليدها وتبقى حبيسته او حبيسها, الى ان يأذن لها قلمها بالتوقف والفطام , وهي الى ذلك تنتهج الكتابة غير المرتبطة باسلوب روائي هنا اوكاتب هناك .‏

سمر يزبك وفي عقد واحد من السنوات ,تمكنت بنصوصها الروائية, من اثارة ( الفوضى) في عالم الرواية, ما بوأها موقعا نشطا في حراك الثقافة العربية , قبل المحلية,‏

وقد اصدرت مؤخرا , احتفاء بدمشق عاصمة للثقافة , وضمن سلسلة رواد الادب السوري, كتابين: غادة السمان-جبل الزنابق. وعن هذين العملين تحاورنا مع سمر يزبك.‏

> لماذا اخترت غادة السمان دون غيرها من الكاتبات? هل ثمة تقاطعات,او تناقضات تجمعك واياها?‏

>> غادة السمان من الكاتبات العربيات النادرات, اللواتي عشن الكتابة, وكانت حياتهن عبارة عن نص طويل لم يختلف عن يومياتهن الحقيقة, إنها واحدة من جيل حقيقي, أسس لمفهوم حرية الفرد, وأهم ما في غادة السمان هو تجربتها الحياتية الشخصية الغنية, التي عاشتها كواحدة من المؤسسات لحركة تمرد اختلفت عن جيلها السابق, الذي مثلته كاتبات مثل: إلفة الادلبي, و وداد سكاكيني, وأعتقد أنها فعلت ذلك مع كوليت خوري, وشكلتا معاً نقلة نوعية في كتابة المرأة السورية, تمثلت في المكاشفة, وحضور الذاتية الأنثوية, وكسر حواجز المجتمع التقليدي, في فترة الخمسينات والستينات. اما عن التقاطع او التناقض فلا أعرف تحديداً.ربما تجمعني معها فكرة الإخلاص لذات متمردة, والاستقلال المتطرف عن أشكال المؤسساتية كافة , أما التناقض فلا أستطيع تحديده لك حتى الآن, لكني استطيع التلميح إلى أني أشعر إني ملتصقة بقاع المجتمع وهمومه, ربما بطريقة لم تعرفها, أو لم تعشها غادة, وربما كانت الحياة في تلك المرحلة مختلفة.‏

سؤالك صعب التحديد, لأني اعتقد أني لا أعرف نفسي أكثر من 20 بالمائة, وأعرف غادة واحد بالمائة, وفكرة المعرفة والحقيقة المطلقة عن شخص لاتزال ترعبني.‏

( النص أهم من الشعارات)‏

> في وقتنا الحالي هل ثمة ما هو أهم من قضية المرأة, التي اشتركت فيها مع غادة السمان?‏

>> دائما هناك قضايا تنشأ جدتها وحداثتها مع تطور المجتمع. مللت الحديث عن قضية حرية المرأة بمفهومها المتعارف عليه, بعد أن تحولت إلى شعار فارغ, تمارس تحته أصناف الأغلاط كافة . قضية المرأة لاتزال جزءا من مشكلة كبيرة, وتختلف من منطقة إلى أخرى في سوريا, وأرى في المجتمع السوري اختلافا وتنوعا جغرافيا واجتماعيا يجعلني أتحفظ على التعميم الذي يتم التحدث عنه بشأن قضايا النساء وحرياتها, لكني متأكدة أن قوانين الأحوال الشخصية, ومشكلة الحريات الفردية والإعلامية, تشكل عائقاً أمام قضايا النساء.‏

تكمن مشكلتي الأساسية داخل نصي. أنا معنية الآن بتطوير نصي, وكل ما قد أفعله في النص أهم عندي بكثير من كل الشعارات. ومتعتي الأبهى في القراءة والكتابة, وهذا لا يعني أن يكون النص مفصولا عن الواقع ومشكلاته, لكن أتوق لنص جمالي مختلف بعيد عن الشعارات القديمة.‏

> برأيك هل أعطى الكتاب غادة السمان حقها?وما هو رأيها فيه?‏

>> الكتاب لم يعط غادة السمان حقها, ليس هو فحسب بل كل الكتب الاثني عشر التي ستصدرها دمشق عاصمة ثقافية, وليس في ذلك انتقاصا للكتاب, أو لمشروع هذه الكتب, ولكنه توضيح لابد منه, والسبب يعود إلى أن طبيعة المشروع ومبتغاه, هو قيمة احتفالية وتعريفية برواد الأدب السوري, وليست كتباً مرجعية في النقد والسيرة الذاتية, وأرى أن هذه الكتب هي محاولة لإلقاء الضوء على هذه التجارب, وهي ضرورية للجيل الجديد, وأتمنى أن يتم توزيعها بالتنسيق مع احتفالية دمشق عاصمة ثقافية, على المكتبات و المدارس لطلاب المرحلة الثانوية. وأخبرتني غادة أنها لن تتدخل في الكتاب, وأنه يحق لأي كاتب أن يتحدث عن كاتب آخر بالطريقة التي يجدها ويحسها, وكانت كريمة في هذا الأمر. لم تعترض, وكان همها الوحيد أن نتواصل ونصبح أصدقاء. انتهى الكتاب دون أن تلقي ولو نظرة واحدة عليه, والكتاب الآن في طريقه إليها. واشير هنا ان الأربعين صفحة الأولى من الكتاب الذي يبلغ المائة صفحة, كانت عن حياة غادة, وقدمت بمقدمة تحدثت فيها عن علاقتي بها, ثم تحدثت عن أسفارها وفكرتها عن التمرد, وأفردت فصلاً كاملا للحديث عن رسائل غسان كنفاني لها, وفصل بعنوان; عاشت لتحكي. يتحدث عن أدب غادة. في القسم الثاني من الكتاب هناك جزء من حواراتها, وبعض النقد الذي كتب عنها, وفصل خاص من أدب غادة.‏

> عنوان الكتاب: المهنة كاتبة متمردة. لماذا اخترت هذا العنوان?‏

>> لأن غادة كاتبة متمردة, وقد مارست الكتابة كمهنة حياتية وسلوك يومي, ولم تفصل بين نصها وأسلوبها وأفكارها, ولأني أردت تكريس فكرة مهمة عن الكتابة هنا, وهي أنها مهنة لا تقل أهمية عن المهن الأخرى, التي تصبح هوية شخصية, فالكاتب العربي لايزال يعيش الكتابة على أنها هواية وهوى شخصي وليست جزءاً من حياته.‏

( الحب طريقنا لمعرفة الحياة)‏

> بالانتقال إلى كتابك الأخر ( جبل الزنابق) أليست جرأة منك أن تكتبي أحلامك?‏

>> الكاتب سيد نصه, وأنا ملكة في نصي, واستطيع تحديد ما أريد كتابته, النص هو مكان يتيم نعيش فيه خديعة حريتنا, لذلك لا أجد أن هناك محظورات تشلني, وكتابة الأحلام هي جزء من كتابة الواقع. الأحلام تحولت إلى قصص, والشكل الفني غلب على الصفة الواقعية فيها.‏

جبل الزنابق هو الحب, وهو عنوان أحد الأحلام التي تصور الحب جبلاً من الزنابق البيضاء, ينمو من أضلعنا, ويثقل ظهورنا, ونحن نسير في مستنقع الحياة, لكنه يجعلها أقل ثقلاً. الحب هو طريقنا إلى معرفة الحياة, فكل شلح زنبق ينمو من حشائشنا, يجعلنا نغوص في الوحل, وننزل إلى الأعماق. في النهاية نحن جميعا نعيش هذه الوحل اليومي.‏

جزء من منام جبل الزنابق‏

(اضرب بيدي على المرايا فتنبثق المياه تحت قدمي, وأرى صورتي تتشكل في المياه, تنبت على جوانب المياه أشجار خضراء, وورود وسماء فسيحة. على أحد الجوانب يجلس فتى جميل, أتمعن في وجهه أصرخ: هذا أنت? لا يحيد بنظره عن وجهه في البحيرة. أقترب منه, ألمسه فيتحول إلى زهرة نرجس. أتضرع بصوت عال: سامحني.‏

يعلو مستوى المياه في صندوق المرايا. تغمرني أزهار النرجس, أتذكر أني قلت يوما لحبيبي: الحب جبل من الزنابق البيضاء, يثقل ظهورنا ونحن نغوص في مستنقع الوحل. ألمح موتي, وأشاهد وجهي الفزِعَ في المرايا. يغمرني الماء, أرى فتى جميلاً يتأرجح في أعماق المياه, فتى كان منذ قليل, على ضفة البحيرة, وهو يلامس بيده الباردة, جسدي الميت.‏

كنا نتأرجح مثل دمى بلا عيون في الماء)‏

>> أصدرت خلال هذا العام ثلاثة كتب; رواية رائحة القرفة, و كتاب حكي منامات ) جبل الزنابق( وكتاب غادة : المهنة كاتبة متمردة, وكتبت فيلم تلفزيوني, كيف تتدبرين امر الوقت لانجاز ماتكتبين?‏

>> قولي لي: بعد أن أنهيتها ماذا سأفعل بوقتي! الوقت بالنسبة لي في الكتابة, استمتع بفكرة المشاريع التي أشتغل عليها, وأرى أن الاجتهاد أهم من الموهبة, الموهبة كما يقول ماركيز من دون اجتهاد وقراءة وتجارب حياتية تنتهي.‏

موهبة بسيطة مع الاجتهاد والقراءة تتحول إلى إبداع مهم, أنا مؤمنة بذلك وأدرب نفسي على ذلك.‏

> هل تعتقدين أن الإعلام السوري مقصر في حقك ككاتبة وروائية سورية?‏

>> لا أفكر كثيراً بهذا الأمر, كل يوم, هو عالم مختلف وطازج عن اليوم الذي سبقه, تنتهي كراهيته مع بدايته, لأني أعرف أن الحياة تعطيني إشارات واضحة من بعيد, وهو أمر عودت نفسي عليه مؤخراً, والحياة نفسها تعلمنا والحكمة الأمثل: أن لا ننتظر شيئا.‏

والسبب الأساسي الذي يدعوني للتفكير بهذه الطريقة أني مدركة تماما لطبيعة الإعلام العربي والعلاقات التي تحكمه; في الصحف اللبنانية يقومون بتصدير كتابهم, وفي مصر يتابعون النتاج الإبداعي ويلاحقونه في الصحافة اليومية.‏

في دول الخليج والسعودية يفعلون ذلك, يبحثون عن أسماء يجعلون منها رموزا لاستحداث هوية ثقافية في مجتمعات لا تملكها, في سوريا توجد مواهب وطاقات ابدعية هائلة مركونة ومهملة, بعضها يظهر وبعضها يندثر بفعل ضغط الواقع المعيشي, والإعلام السوري غير معني بتصدير مبدعيه, وله مهمة أخرى, لست بصدد الحديث عنها الآن. لكن استطيع القول إننا كسوريين موجودين في الصحف العربية بشكل طارئ أيضاً,‏

إننا ضيوف, وبيتنا هنا في سوريا! ولكن حالة الوجود المؤقت هذه تجعلنا مقروئين من العالم العربي ومُتَابعين منه أيضا أكثر من الداخل السوري أحياناً. بكافة الأحوال نحن نفتقد إلى مؤسسات ثقافية وإعلامية, تجعل من الثقافة فعلا حياتياً يساهم في حالة من النهوض الإبداعي والجمالي, وليس فعلاً احتفاليا وكرنفاليا مؤقتاً, يخص بهجة وسرور النخبة غير المثقفة!‏

بدأت يزبك الكتابة في القصة و (مفردات امرأة)كانت مجموعتها القصصية الاولى , تلتها بروايات ( طفلة السماء- صلصال-رائحة القرفة) ونوعت كتابتها باتجاه التلفزيون لتنجز العديد من الاعمال كمسلسل ( ظل امراة)و انطون مقدسي كفيلم وثائقي وفيلما اخر بعنوان ( صباح الخير ليلى)ونالت جائزة الامم المتحدة الاولى ووزارة الاعلام السورية عن فيلم السماء الواطئة كأ فضل سيناريو أدبي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية