ولا عزاء للمؤسسات!
اقتصاديات الأحد 7/9/2008 عبد القادر حصرية منذ سنوات تمضي الحكومة في خطواتها لتطبيق سياسة فك احتكار المؤسسات العامة سواء التجارية منها كمؤسسة سيارات أو الإنتاجية والتي حظيت
لسنوات عديدة باحتكار انتاج واستيراد وتوزيع الكثير من السلع والخدمات كمؤسسات التجارة الخارجية ومؤسسات توزيع الإسمنت ومواد البناء. للتوجه الحكومي الذي بدأ منذ عدة سنوات أسباب عديدة لعل من أهمها أن هذا الاحتكار خلق اختناقات في الأسواق في الماضي ولاينسجم اطلاقاً مع اقتصاد السوق الاجتماعي. إلغاء دور مؤسسات الاحتكار جاء متأخراً جداً بعد أن انتهت مبررات وجودها الاقتصادية واستمرت لأسباب مرتبطة إلى حد بعيد بالدور الاجتماعي للدولة حيث ان بعض هذه المؤسسات تنفق على عدد كبير من الموظفين الذين لاعمل لهم سوى السهر على تطبيق إجراءات بيروقراطية دون توليد أدنى قيمة للاقتصاد الوطني. بعض هذه المؤسسات يتربع على أصول عقارية تبلغ قيمتها مليارات الليرات السورية وهي تستنزف وقت الحكومة في متابعة عملياتها ومشاكلها. شكلت العمولات المستوفاة من قبل هذه المؤسسات كلفة على سعر المنتج الوطني دفعها المواطن وفي حالة مؤسسة التجارة الخارجية فقد شكلت العمولات نحو (2 - 3 %) من تكلفة المنتج الصناعي وهو ما كان يدفعه المواطن العادي سواءً كان فقيراً أم غنياً. هذه المؤسسات تجد نفسها اليوم في وضع جديد مليء بالتحديات وهي مضطرة للتخلي عن الاحتكار والعمل وفق آليات اقتصاد السوق وما تقتضيه ظروف المنافسة. تشكل السياسات الحكومية فرصة كبيرة للاقتصاد السوري وللعاملين في هذه المؤسسات فمن جهة سيتخلص الاقتصاد الوطني من مؤسسات شكل دخلها عبئاً عليه دون أدنى قيمة مضافة اللهم سوى جباية الأموال لصالح الخزينة العامة. بالتأكيد لابد من بديل لهذه الأموال التي كانت تجبى لصالح الخزينة العامة وذلك من خلال الضرائب التي يجب أن تفرض بعدالة وتجبى بمهنية عالية من العام والخاص ولايتساوى فيها الغني والفقير كما في عمولات المؤسسات العامة بل يدفعها من يحقق أرباحاً فعلية. أما موظفو هذه المؤسسات فالتحدي الأكبر أمام إداراتهم هو القيام بتقييم لغاية هذه المؤسسات وإعادة النظر فيها في ضوء الحاجة الفعلية لما يمكن أن تقدمه هذه المؤسسات من خدمات. خطوات الحكومة تثبت أنها تحاول السير وفق اقتصاد السوق بالأفعال لا بالأقوال. وهذا يعطينا مثالا ً آخر عما يجب أن نتوقعه من مؤسساتنا الاقتصادية والتي نرغب بوجودها في اقتصادنا في المستقبل والتي يجب أن تكون مؤسسات فعالة فاعلة, وليست منفعلة تعيش على المردود الريعي. نتمنى أن تتخذ الحكومة قرارات مشابهة للقرارات السابقة فيما يتعلق بعمل ما تبقى من المؤسسات العامة بحيث لا يبقى لدينا أي من الاحتكارات لا في العام ولا في الخاص وتنتقل من إلغاء دور المؤسسات العامة الوسيطة إلى الإلغاء الكامل لكل أنواع الاحتكار لأنه في ذلك فقط يكمن تحقيق القيمة الاقتصادية المنشودة بالنسبة للاقتصاد الوطني أو للفرد. نتمنى ألا تقبل هذه المؤسسات العزاء من أحد في ما فاتها من عمولات بل أن تتجه نحو المستقبل بجرأة وأن تتخذ الحكومة ما يلزم من خطوات جريئة لجذب القيادات الإدارية اللازمة لهذه المؤسسات والتي تستطيع أن تحقق لهذه المؤسسات النقلة النوعية المطلوبة لتستطيع البقاء والمنافسة بما في ذلك إعادة النظر في تعويضات هذه القيادات وإخراجها من سلم الرواتب والأجور المعمول به بالنسبة لموظفي الدولة.
|