|
قاعدة الحدث التي تصنعها وتغذيها وتنميها الأخيرة ليس بين الأعداء والخصوم فحسب، بل بين الاخوة والاشقاء والأصدقاء التي تجمعهم روابط الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك. ما يحصل في إقليم كشمير ربما يكون نسخة طبق الأصل عما حصل ويحصل في منطقتنا ومناطق كثيرة من العالم حيث الأيد الصهيو- أميركية تجهد لإشعال الجمر تحت الرماد وصب الزيت على نار الخصومات والصراعات التي خلفها الاستعمار، كجزء من استراتيجية (الفتك من الداخل )، حيث الدول والشعوب تقتل وتأكل بعضها وتدمر وتخرب مؤسساتها، فيما العين الأميركية تراقب من بعيد من اجل التدخل في اللحظة المناسبة، أي عندما تكون هناك مساحات واسعة للابتزاز والاستثمار في دماء وأوجاع البشر بذريعة التسوية وحقن الدماء وصون حقوق الانسان وحرياته. يفسر موقع الإقليم الذي تحيط به دول متباينة ومتناقضة في المصالح والاهداف والحلفاء والشركاء - الصين من الشرق والهند من الجنوب وباكستان من الغرب - الأهمية الاستراتيجية الكبرى له ، كما أنه يشرح الى حد كبير حدود وأبعاد التدخل الدولي ومعادلات التوازن، وصولاً الى غايات وأهداف تغذية الصراع وتأجيجه بين الفينة والأخرى من الدول المستفيدة من وراء ذلك بعد ثلاثة حروب دامية بين الهند وباكستان. ترتبط قضية كشمير بتوازن القوى في جنوب آسيا بشكل خاص، وتوازن القوى بين الهند والصين وباكستان بشكل عام، وما وراء ذلك من توازنات دولية على صعيد العالم بين الدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الإقليمية الفاعلة والمؤثرة على المسرح الدولي. فالهند تستمد تأثيرها وقوتها الدولية من المواقف الأميركية والغربية والإسرائيلية الداعمة وبالتالي فهي تبني مواقفها وسياساتها الخارجية على هذا الدعم الدولي لها والذي لطالما كان محركاً للسياسة الهندية الخارجية بما يحاكي المصالح الأميركية والإسرائيلية والغربية المتغلغلة في الداخل الهندي، ومن المعروف أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والغرب عموما على خلاف وصراع مع الصين وروسيا الداعمتان لباكستان التي تبني سياساتها الخارجية وفقا لمصالح الدولتين اللتان يشكلان من المنظور الأميركي الاستراتيجي خطرا متصاعدا على أميركيا. ضمن هذا السياق يمكن بالتالي استنتاج واستنباط المواقف الدولية على أزمة كشمير التي تبدو ككرة النار المتدحرجة والتي أشعلتها الهند بقرارها المريب في هذا التوقيت تحديداً وبتحريض من واشنطن رغم إعلان الأخيرة أن حليفتها نيودلهي لم تنسّق الخطوة معها، في وقت يبدو فيه الارباك والتشبيك هو السمة الأميز التي تطبع المجتمع الدولي الذي بات منقسماً بين معسكرين، المعسكر الأول وهو الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وهو معسكر عريض وكبير ويسيطر الى حد ما على القرار الدولي في المؤسسات والمنابر الدولية، وهو معسكر يسعى الى السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب وبشتى الوسائل والسبل وباستخدام كل الذرائع والسبل القذرة بما فيها دعم الإرهاب وصناعته وتغذيته وإشعال الحروب والفتن الطائفية والأهلية بين الاخوة والاشقاء . أما المعسكر الثاني فهو الذي تتشاركه روسيا والصين مع دول العالم المناصرة لقضايا وحقوق الشعوب والرافضة والمناوئة للمشاريع الصهيو أميركية والغربية الاستعمارية والاحتلالية التي تهدد دول وشعوب العالم أجمع، وهذا الامر هو الذي زرع بذور الصراع بين المعسكرين، وهي البذور التي ما تزال تنمو في ترب العالم، بما يحاكي التورم والشره الأميركي نحو التهام كل ثروات ومقدرات الشعوب. أبرز المواقف الدولية كانت من واشنطن التي حاولت إضفاء (البراءة) على موقفها حيث دعت إلى السلام واحترام الحقوق في كشمير، غير أنها شدّدت على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي بالوكالة لجنوب آسيا اليس ويل ، على أن «الحكومة الهندية لم تستشر أو تبلغ الحكومة الأميركية قبل أن تغير الوضع الدستوري الخاص لإقليم جامو وكشمير»، المقسم بين الهند وباكستان منذ استقلالهما في عام 1947، أما بريطانيا التي أعربت عن قلقها وطالبت أطرف النزاع بالهدوء، فقد أكّد وزير خارجيتها دومينيك راب أن لدى بلاده أيضاً «قراءة واضحة للوضع من منظور الحكومة الهندية» وهذا ما يؤكد ما أسلفنا قوله لجهة الانزياح الأميركي والغربي الواضح للموقف الهندي انطلاقا تقارب وتلاقي المصالح والاهداف. في ذات السياق جاء رد الأمم المتحدة على الأزمة المتفاقمة باهتاً جداً ولا يحاكي خطورة الوضع، إذ أعلن الناطق باسم أمينها العام ستيفان دوجاريك أن رئيسه أنطونيو غوتيريش، «ليس متردداً» في ما يتصل بقرار الهند، مشيراً إلى أن «هناك اتصالات جارية على أعلى المستويات حول الوضع في الإقليم»، لكنه رفض تقديم مزيد من التفاصيل في شأنها. وأضاف: «لا يوجد أيّ تردّد في موقف الأمين العام إزاء ما أعلنته الهند... نحن نواصل متابعة الموقف بكثير من القلق، ونواصل دعوة جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس». ورفض مجدداً الرد على أسئلة الصحافيين عما إذا كان قرار الهند ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، مكتفياً بالقول: «ما ذكرته للتوّ هو ردّي على هذا السؤال»، وهذا التهرب والتخبط الاممي الذي يمكن تصنيفه في خانة (النأي بالنفس ) يندرج في سياق الاصطفافات الدولية حيث مؤسسة الأمم المتحدة تخضع بشكل شبه كلي لسيطرة ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها. |
|