|
مجتمع
تعج بذكريات و روايات تصف أساليب غريبة في التأقلم الغريب ، و التفاصيل تروي يوميات معجونة بالتعايش مع وضع أقل ما كان يوصف بأيام سوداء ، ذاقوا مرارتها جميعهم دون استثناء بشرائحهم كافة ، فالحصار و الجوع استهدف الجميع أغنياءهم و فقراءهم ، و العطش لم يدع بيتا إلا و أقام فيه ، و أطال المكوث بين جدرانه المرتجفة ، كما الظلام الذي خيم على بيوتهم و شوارعهم لسنوات طوال . ذكريات مؤلمة تروي الدكتورة إيمان الأستاذة الجامعية ذكرياتها مع سنوات الحرب التي ظلمت مدينة حلب ، و رحلتها اليومية المعنونة بالموت المحتمل.. العلم رسالة سامية لم يكن ليقف بوجهها أي عائق ، حتى و لو كان خطر الموت ، تقول.. لقد كان عزائي نظرات التقدير و الاحترام التي كانت تفيض بها أعين طلابي ، الطريق إلى الجامعات الخاصة الكائنة في منطقة ساخنة مجاورة لمدينة حلب ، كانت مغامرة خطيرة جدا ، و لكن التضحية في سبيل العلم كان واجبا علي . من دفتر ذكريات الدكتورة إيمان هناك حديث ذكريات التحايل الذكي على شح و تداعيات حصار ، و سرد لقصص معاناة اقتحمت البيوت كافة دون استثناء ، و خوف تسلل إلى القلوب على أرواح مرهونة للموت المتنقل بين أرصفتها و المعانق لجدرانها، تقول... سحابة قاتمة و انقشعت و عاصفة هدأ روعها ، فما بعد الصبر إلا الفرج . عشاق القلعة الآن في رحاب حلب الشهباء تنهض الهمم لنفض غبار حزنها و مسح دموعها ، حالة استثنائية تعيشها تلك الساحرة المسترخية بمساحاتها المترامية الأطراف ، و الممتدة الشعاب في شمالنا السوري كقلب نابض بالحياة ، فيتراقص قلبها الذي استعاد الحياة على إيقاعات فرح من جديد ، و يضخ الأمل في شرايينها الآمنة التي عاد إليها صخب وقع أقدام المارة ، و ازدحام لطالما اشتاقت إليه أرصفتها. هاجر من هاجر من سكان مدينة حلب ، و ما زال هناك عاشقون لها لم تستهويهم الغربة ، ستجدهم يعانقون تفاصيلها الساحرة ، و يهرعون مشتاقين إلى قلعتها كلما سنحت الفرصة ، لتغدو تلك القلعة الشامخة نزهتهم المفضلة ، و خاصة صباح يوم الجمعة لتناول وجبة الفطور. تقول السيدة أم رامي.. ربما لا نشعر بقيمة الأشياء إلا عندما نكاد نفقدها ، و قلعة حلب التاريخية كانت على وشك ان تتحول إلى مجرد أنقاض لولا تدخل الجيش العربي السوري و حمايته لها و إبعاد المسلحين الارهابيين عنها، لقد ازداد عدد زوار هذه القلعة و مشهد الازدحام يروي قصة عشق الحلبيين لها فباتت مقصدا يوميا و لا تحلو السهرات إلا فيها. الجامع الأموي.. غصة على سوار القلعة ربما يعتصر قلبك الحزن ، و تكاد تدمع عيناك ، و انت تشاهد أنقاض الجامع الأموي الكبير ، الذي تحصن فيه المسلحون و وضعوا في حرمه الطاهر متاريس ارهابهم ، ليحولوه إلى مجرد أنقاض ، تروي حكاية مظلمة لحقد و كراهية من أعداء الوطن و التاريخ العريق الموغل في القدم، كذلك قد تنتابك الحسرة و انت تلمح دلائل فقر لم يكن عنوانا لحياة الحلبيين الذين عرفوا بحبهم للحياة و ربما البذخ ، و اعتادوا حياة الترف و البحبوحة، و لكن الآن فالتحايل على ضيق مادي دفع الكثيرين منهم لتقاسم أبواب الرزق على تناقض نوعية المهن و البضاعة، و ذلك لجني لقمة العيش و استمرارية الحياة.. النزهات من جديد.. على الضفة الأخرى لمدينة حلب ، و في المسطحات الخضراء ، تشاهد أعدادا كبيرة تفترش العشب الأخضر ، الذي يشكل نزهة مجانية بلا تكاليف ، ابريق شاي و دلة قهوة و أركيلة و بعض الأطعمة الخفيفة، هي زوادة الحلبيين الذين اشتاقوا لأمان يسيج نزاهاتهم التي حرموا منها لزمن طويل ، و في ليالي الصيف الحار ينطلقون محملين باشتياق لنزهات بلا خوف و لا توتر و لا موت . في بعض أحيائها تسير و لا تملك أن تمنع نفسك من الدهشة و الاستغراب ، لتجاور مكاني يجمع ما بين الدمار و الظلام بالنور و الحياة في نفس البناء السكني ، و قد تحار في كيفية سكن طابق علوي و ما تحته من طوابق مهجورة و متداعية بينما الدرج قد نهشه الدمار حتى كاد أن يتلاشى... تحيا من جديد.. هي ساحرة شمالنا السوري بلا منازع ، مدينة لم تخطف منها الأزمة فخامة الأبنية و رقي التنظيم في الأحياء و الشوارع ، و ها هي تعود لتحيا من جديد خارج حدود الموت و الحصار و الظلام ، فتختال عروسا تزينها إضاءة مميزة لشوارعها اعتمدتها محافظة حلب التي تسعى لجعلها مدينة متحضرة راقية بكل المقاييس، من خلال تصنيف الشوارع و فرض قيود تحترم خصوصية رقيها بلا تلوث بصري أو بيئي ، بمختصر العبارة... حلب ستعود و بقوة عنوانا للجمال و للصناعة المتميزة و الراقية.. |
|