تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف نواجه الغزو الفكري?

شؤون سياسية
الاثنين 3/3/2008
محمد كشك

أضحى عالم اليوم رهينة لهيمنة الإعلام وتحت سيطرته, يشكل رؤاه وثقافته ومنهجه إلى المستقبل بعد تحول ميدان الصراع الحضاري الحقيقي اليوم إلى مجال الإعلام, وكلما كان هناك امتلاك للأجهزة كانت هناك فرصة كبيرة لضمان الغلبة الفكرية والثقافية التي تعتبر ركيزة التفوق الحضاري,

ذلك أن الإعلام وبقدرته على الامتداد والاختراق ألغى الحدود الجغرافية السياسية للدول وتجاوز كل المعوقات.‏

إن العالم اليوم يقف على مفترق طرق, تهدده الهيمنة الإعلامية الشرسة, وأصبح في حالة ذعر من التهديدات التي تعاني منها شعوبه وحكوماته ودوله لدفعها للرضوخ لإرادة القوة لا العقل,وإلى الاستسلام بغير منطق مقبول, حتى إن أبناء الأمة الواحدة أصبحوا في حيرة من أمرهم وهم يرون بعض أبناء جلدتهم فهم يجلبون إليهم المتاعب بتمهيدهم السبيل للاستعمار الجديد بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب, وإقامة حياة جديدة من الرفاهية والتقدم والازدهار..إن إعلام الهيمنة يعمل على إثارة الفتنة في صفوف الأمة وإشعال بؤر الصراع الإقليمية والعرقية وعزل الأمة عن جذورها والإبقاء على المجتمعات هشة معتمدة على الغرب في كل شيء, فهذه هي بعض أهداف إعلام الهيمنة الذي يسعى عبر خطابه لإقناع جمهور المثقفين من العديد من الدول وبينها العالم النامي والاستحواذ عليهم من خلال برامجه التي يبثها وفق استراتيجية دينامية نفسية يخاطب من خلالها الجمهور نفسياً ووجدانياً وعاطفياً, واستراتيجية ثقافية اجتماعية تخاطب المتلقي وفق عاداته وتقاليده واستراتيجية ثالثة هي استراتيجية إنشاء المعاني التي تهدف إلى إشاعة وغرس معان جديدة في المجتمع قد لاتتجانس وماهو سائد فيه, وفي ظل هذه الاستراتيجية يقوم الإعلام الدولي بدور خطير في إطار الغزو الفكري بالدعوة إلى تمجيد القيم الغربية وإيجاد الشعور بالتبعية الثقافية والشعور بمركب النقص, ولفت المجتمعات إلى القشور وإلهائها عن قضاياها الأساسية, واستغلال الأقليات والطوائف وإثارة النعرات, واستغلال فقر الشعوب وحاجتها, وربط المساعدات الاقتصادية بتسهيلات وتنازلات معينة, واستغلال البعثات العلمية والثقافية, مع نبذ العقائد والأفكار والتجرد للوصول إلى الحقيقة في زعم هؤلاء! ويسعى الغرب من خلال تلك الدعوات إلى تحقيق غاياته وأهدافه المتمثلة في بقاء الشعوب النامية تحت رحمة وهيمنة وتبعية الدول الكبرى. واتخاذ مناهج هذه الدول ( النامية ) للتربية والتعليم من الدول المهيمنة وتصوير تراث هذه الأمم بالمتخلف وعدم القدرة على إمداد الحضارة بشيء..ويرى كثير من المفكرين والمختصين في الشأن الأمريكي أن هناك مايعرف بثلاثية الثروة والدين والقوة, هي التي يجري على أساسها تفسير أي أسلوب اجتماعي, وما يتفرع عنه من سلوك سياسي تسير وفقه السياسة الأمريكية, فغطرسة القوة الأمريكية هي الرغبة الجامحة في فرض السيطرة والاستحواذ على قدرات وممتلكات الآخر, وإخضاعه واستعباده بأي شكل من الأشكال كما يحدث في عالم اليوم, أما الثروة والمال فهي دافع مغروس بشدة في النفسية الأمريكية وتسيطر على هذه العقلية, فالربح السريع وعدم الشبع المالي قيمة تطبع حياة الفرد الأمريكي حيث للمال الدور الرئيسي والكاسح في أسلوب الحياة الرأسمالية الأمريكية. أما الدين فهو أيضاً يمثل جانباً كبيراً في التكوين النفسي الأمريكي نسبة للتجارب العديدة التي مرّ بها المهاجرون من أوروبا إلى أمريكا وتكوينهم المجتمع الجديد. ولقد ظلت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة المفضلة لأسباب جيوسياسية وعقدية متعددة تحاول فيها القوى فرض هيمنتها على العالم وإثبات نفوذها, ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن تلك الفرضية, وتهدف أمريكا إلى إجراء تغيير وإعادة تشكيل المنطقة وفق نظريات معينة مثل: تجزئة المنطقة العربية إلى كيانات عرقية وطائفية. ثم الفيدرالية الديمقراطية, والمقصود بها أوطان منقسمة على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية ثم تجميع للقطع المبعثرة في صيغ فيدرالية ديمقراطية ( على الطريقة الأمريكية ) بحيث يكون الوجود العسكري الأمريكي بمثابة قوة ضاغطة لضمان حقوق الأقليات في المنطقة, ومن هنا يفهم التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي للدول كما يجري حالياً في بقاع عديدة من العالم, ويعرفها الجميع!‏

إن أجهزة بوش الإعلامية تتهم العديد من الدول بالتدخل في شؤون دول أخرى!! في حين لاتتدخل أمريكا فقط في شؤون الدول, بل تغزو وتحتل وتقتل وتدّمر من تشاء! ولاترى أجهزة بوش في ذلك أي خطأ, وقد علّق الصحفي (سيمور هيرش) على ذلك قائلاً: ( لقد دخلنا قبل أربعين عاماً حرباً في فيتنام, وربما يعتقد المرء أن بلداً مثل الولايات المتحدة الأمريكية له هذه القوة الضاربة والهيمنة لن يسمح بتكرار ذلك, ولكن لديّ نظرية في الحياة تقول: إنه لايوجد لدينا منحنى معرفي فعلي يمكّن كل واحد من أن يتوصل إلى معرفة الأشياء بنفسه. ومشكلة بوش تكمن في اعتقاده أنه يقوم بعمل رسالي يستهدف إعادة صياغة (الشرق الأوسط) ونشر دعائم الديمقراطية بين شعوبه على طريقته, ووفق مايمليه عليه هذا الاعتقاد..إننا لانتعلم من التاريخ !! ).‏

كاتب سوداني‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية