تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المصطبة

آراء
الاثنين 3/3/2008
حسين عبد الكريم

بسيطة كدمعات نور, يجيء طفلاً, ,حنونة كأحزان أبنائها البسيطين المتعالقين بكلّ الحب مع عمرها وخصبها ومواسمها وعشب حقولها وزيتون حكاياتها وبشرها الطيبين.

/أبو رضوان / ولد عند حدود غيماتها, وتعلم أولاً دروس ظلالها, ومفردات دروبها وإخلاص أبناء وبنات القرى البعيدة وراء جبال الريح والحبّ , ولم يخرج من صفوف العمر الأولى, حتى حفظ قوانين الصبر والطيبة النبيلة, واستطاع أن يتقن فنّ العيش الطيّب, مع الأهل والجيران والشجر وأحجار وجدران البيوت.‏

بنى كجيران كثيرين , في قرية / كفر شمس / مصطبة, وطينّ أرضها باهتمام وعناية فائقتين, تميّز بهما عمر وسلوك / أبي رضوان / ورفعها ومدّ فوقها سقفاً محترماً من الأخشاب والقصب, وزرع قربها جارات جميلات من أشجار التوت والتين والعرائش, التي علت أغصانها واتسعت وتعانقت فيما بينها التحيات و /مرحبات/ الآفاق والغيمات وأصوات الجيران والأصدقاء والأقرباء.‏

مع الأيام تعزّز حضور المصطبة بحضور صاحبها /أبي رضوان/, الذي أوسعها لكلمات وحكايات ألفة المحبين, الذين لاينقطعون عن زيارتها بين الألفة والألفة والموسم والموسم والظهيرة والظهيرة.. وكلّ مجيء الأقرباء والجيران تمدّ الجارات الجميلات الأغصان تحية وحفاوة وحسن ترحيب, ويمدّ أبو رضوان /مرحباته / وتحياته الطيبة ويعلن روح الألفة واللياقات والصبر الجميل.‏

ولده الأول أسماه رضوان تعبيراً عن الرضى والقناعة والحب, والأولاد الآخرون أسماهم أسماء تتلاقى مع تعبيرات نفسه الراقية.‏

كبر رضوان ودرس على يدي أبيه دروساً أولى في الألفة والصدق وإخلاص العهود.‏

رأى والده كيف يحتفي بالخير, وكيف يجود ويجود, وكيف يتصادم مع صخور القسوة, ومرارات العمر, ويقوى عليها, ويكمل الخطوات باتجاه أمله, وموسمه وبهجة أشجاره.‏

كبر رضوان وكبرت معه دروس الخير وكبرت لياقات الأب المعطاء الطيّب , وكبرت المصطبة واتسعت حكايات ألفتها مع الجيران والأقرباء.‏

يغيب رضوان باتجاه نجاحاته وأيام عمله, وحين يرجع إلى حيث الأب والمصطبة, لايقبل الأب أن يجلس رضوان إلا في مكانه في صدر المصطبة.‏

يقول أبو رضوان:‏

بوركت روحك وأخلاقك وأيامك يارضوان: تحب الناس الطيبين, لأنك ابن طيب, وتسعى إلى الخير والعطاء والنجاح, لأنك مخلصٌ لروح الخير والعطاء والنجاح.‏

وحين ابتدأت خطواته الأولى, في عالم العيش ومتطلبات الحياة والبقاء الكريم, تعثّر رضوان, وتعثرت قامة العمر بالقسوة وصخور الفقر , لكنه تجاسر على المشقة, وعمل حطاباًَ ذكياً في غابة العمر, فاقتطع منها أغصان اليأس ويباس الخيبات, التي يلاقيها جرّاء خدائع البشر المثقلة أغصانهم بثمار البشاعة المرّة.‏

ومرّة بعد مرّة, وعطشاً بعد عطش ظلّ يسقي أشجار التفاؤل والآمال البلدية, حتى يستقيم بحضورها, وتكبر أغصانها وتعلو علوّ اً لائقاً بسماء وهواء بلدة العمر الأولى / كفر شمس / والبلدات والأمكنة الأخرى التي عاشرها وأحبها /رضوان/ وزرع فيها شجرات صغيرة تكبر وتثمر بالعطاء والخيرات وثمار الألفة والصدق.‏

يقول المرّة تلو المرّة لصديقه الفنان مجدي: أجمل أحوال الروح الرضى والحب , وأجمل ما في العمر الكرامات الصغيرة والكبيرة التي نقدمها للأصدقاء والأقرباء والجيران .. حين أسافر إلى القرية وألتقي بأصدقاء المدرسة وأيام القرية الأولى أفرح بأصواتهم وألفتهم و أعطيهم على قدر ما في قلبي من ألفة وطيبة حبٍ وخير.. وحين أرجع أشعر ببهجة بليغة تعيش في نفسي وحياتي.‏

غاب الأب الطيب المعطاء وبقي رضوان المحبُّ والخازن الجميل للأخلاق النبيلة والوفاء, وبقيت والمصطبة عالية وواسعة كعمر أشجار القرويين الطيبين, وبقي الأولاد يسافرون إلى المصطبة, ويزرعون قريبا من أسماع الأصدقاء والأهل التحيات والحفاوة وشجرات الألفة..‏

مجدي يقول عن صديقه دائما:‏

أنا أعبر عن نفسي بكرامة الألوان والإخلاص للخطوط والحبر, وصديقي رضوان يعبرِّ عن نفسه بالألفة والعطاء وسلوك الحبِّ والخير.. رضوان يحيى سلوكه النبيل فنٌّ يومي مكتوب ومرسوم في وجدان كلِّ صديق يلاقيه, وكلِّ جار يمرّ به, وكلِّ قريب تحتفي به المصطبة العتيقة..‏

ملامحه مليئة ببهجة إيمان وطني, وكأن في كلِّ ملمح نبتت لهفة حبٍّ وعلت أغصان وجد إنسانيٍّ راق والمحبون يمكنهم أن يقطفوا من على أغصان ملامحه ثمار بهجة طيبة ورضا وقناعات جميلة جديرة بالبهاء والرخاء البسيط الذي يتحلى به أبناء البساطة الطيبون المثقفون بالحنين وأخلاق الخير والنجاحات.. الأصدقاء الجميلون أوطان جميلة, ومؤلفون كبار ونبلاء مؤلفاتهم فصولها وفقراتها وشروحها تتلخص وتتضح في انطباعات المتلقين الذين هم محبون أو أصدقاء أو أهلون يسعون في جهات العيش والأيام بحثا عن ظلال طيبة وثمار ألفة لا يدركها الذبول..‏

ودّع رضوان الأب وعمرا طيبا مليئا بالرضى والقناعات, وظلَّ واحدا من حراس المصطبة والطيبة النبيلة, وظل يزرع شجرات رائعة في كروم الأصدقاء والأهل والجيران, وكل لقاء ولقاء يزرع البهجة في النفوس الجميلة والبسيطة كدمعات الحبِّ..‏

الأصدقاء الجميلون أوطان جميلة ومؤلفون جميلون يسلكون الحب والعطاء, ويكتبون الحب والعطاء بحبر العهود والصداقات الراقية والألفة والغنى الروحي..‏

قصائد هؤلاء يقرؤها الأصدقاء والأهل والجيران في سلوكاتهم ومواقفهم وقناعاتهم.. وتؤثر هذه القصائد في نفوس الملتقين تأثيرا فنيا وجماليا لايقل عن تأثير أجمل القصائد وأرقى اللوحات..‏

لم تهاجر المصطبة رغم حزنها على غياب أبي رضوان, والشجرات الجارات الجميلة باقية على عهدها بالخضرة وعلوِّ الأغصان, ورضوان وإخوته نواطير ألفة الأب وأيامه الطيبة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية