تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الفقر والإفقار

آراء
الاثنين 3/3/2008
أ. د. يوسف سلامة

السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو: هل الفقر شيء مختلف عن الإفقار? أو بعبارة أخرى هل هناك حدان مختلفان أو ظاهرتان متباينتان تحيل إحداهما إلى الفقر بينما تحيل الأخرى إلى الإفقار?

في الجواب عن هذا السؤال نقول:‏

ما ثمة في المجتمع إلا ظاهرة واحدة هي الإفقار الذي تحاول المجتمعات ومن بينها المجتمع العربي أن تتستر عليه تحت اسم الفقر.‏

وما نعنيه بذلك هو أن الفقر الذي هو حجاب وستر للإفقار ما هو في الحقيقة إلا سلسلة من العمليات الاجتماعية والصراعات الإنسانية التي تنتهي إلى توزيع الثروة داخل المجتمع الواحد بين فئتين غير متساويتين: فئة مالكة وحاكمة غنية وأخرى مملوكة ومحكومة ومفقرة. وبالتالي فكلما تحدثنا عن الفقر أو شاهدناه فلا بد لنا أن نضع نصب أعيننا الصيرورة الاجتماعية التي بموجبها يتم إنتاج الفقر وتوزيعه على أفراد المجتمع تماماً كما يتم إنتاج السلع وتوزيعها على مستهلكيها في هذا المجتمع أو ذاك.‏

ولو أننا نظرنا في حالة المجتمع العربي من هذه الزاوية لوجدنا أن النخبة السياسية والاقتصادية قد ذهبت بعيداً وربما أبعد مما ينبغي بل وما يمكن احتماله في تقسيم الثروة الاجتماعية بين أبناء المجتمع العربي داخل كل قطر على حدة, ولو افترضنا أن هناك آليتين تتحكمان في توزيع الثروة داخل كل مجتمع وهما: المساواة والعدالة أو اللا مساواة واللا عدالة, فلا يصعب على أي عربي عاقل أن يتبين أن الآليتين الأخيرتين هما اللتان تتحكمان بسلوك النخبة الاقتصادية والسياسية العربية, ولا يخفى على أحد أيضاً أن إعادة توزيع الثروة التي شهدتها المجتمعات العربية في الخمسين سنة الأخيرة, نتيجة لحراك اجتماعي غير طبيعي قد أفضى إلى اكتمال الدائرة الاجتماعية أو انغلاقها انغلاقاً تاماً من جديد, وما نعنيه بذلك ببساطة هو أن رأس المال الاجتماعي قد انتقل بالكامل تقريباً من أيدي البرجوازية التقليدية والاقطاع المتحالف معها إلى أيدي نخبة اقتصادية وسياسية جديدة بصورة شبه تامة وعبر عملية التحول هذه والانتقال المؤلم للثروة من فئة إلى أخرى تزايد عدد الفقراء والمحتاجين بما لا نظير له من قبل وهو ما تثبته الإحصاءات التي تصدر عن الدولة العربية ذاتها.‏

وإذاً فعندما نتحدث عن الفقر فإننا نتحدث عن إفقار أي آلية تزداد قسوتها وإيلامها كلما ازداد طمع النخبة الجديدة إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الثروة ومن هنا لم يكن بد للعمليات المؤدية إلى إفقار أكبر عدد من المواطنين أن تزداد شراسة وقوة بصورة متناسبة مع تمركز الثروة في أىدي أقل عدد ممكن من أصحاب السلطان والقوة, ولا تشير الوقائع الراهنة إلى أي تحول محتمل. كل ما تشير إليه هو أن آليات اللا مساواة واللا عدالة سيتعمق تأثيرها السلبي وستخلف جيوشاً مجيشة من الفقراء وستقضي على البقية الباقية من أبناء الطبقة الوسطى الذين هم مصدر للإبداع والعبقرية في كل مناحي الحياة وليس للنخبة السياسية والاقتصادية العربية أن تستنتج أن السكوت علامة الرضا, ذلك أن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ بلحظة الغضب وقد كتب لويس السادس عشر في مذكراته يوم اقتحم الشعب الفرنسي سجن الباستيل: (لم يحدث في هذا اليوم شيء يمكن أن يوصف بالأهمية).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية