تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فيلسوف العروبة من جديد

شؤون ثقا فية
الاثنين 3/3/2008
عبد العزيز المصطفى

بحلول العام 2008 م يكون قد مر أربعون عاماً على انتقال باعث القومية العربية وسر وجودها ومهندس نظريتها وحامل لوائها.

وإذا كان العظماء في حياتهم كالسيوف في أغمادها فإذا ارتحلوا تحولوا إلى سيف مجرد مسلول فلقد كان أبو القومية العربية سيفاً مجرداً في حياته وظل كذلك بعد رحيله .. إنه العلم الشهير والقومي الكبير (ساطع الحصري) وحقاً كان له من اسمه نصيب فلقد سطع ذكره وعم علمه ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم أجمع ولايزال الدارسون والباحثون عاكفين على دراسة كتبه ونظريته القومية والتربوية وستبقى أفكاره التنويرية مصدر فخر واعتزاز لكل عربي ومنارة هداية للأجيال القادمة وموضع تقدير من الشعوب الحالمة.‏

ولعله من المفيد قبل الولوج في فكره ونظريته القومية التعريف ولو باعتصار بعد الاختصار عن شيء من حياته.‏

فساطع الحصري يتحدر من عائلة حلبية عرفت بالعلم والمعرفة وعمل والده قاضياً في صنعاء أيام الدولة العثمانية وهناك ولد فجر القومية وشمس العروبة (أبو خلدون الحصري) عام 1880 م /وعرف منذ صغره بحدة ذكائه وشدة صبره على التعلم ونهل من شتى المعارف والعلوم واهتم كثيراً بالتاريخ والعلوم الحسابية وبرع في علم الأشياء والطبيعيات حتى عرف بين زملائه (بأرخميدس).‏

وتحول الحصري بعد ذلك إلى الدولة العثمانية حيث عمل كمدير لدار المعلمين وأدخل علمي التربية والنفس في مناهج التعليم محدثاً بذلك ثورة تربوية حتى لقب (بأبي التربية التركية الجديدة) غير أن إقامته في الدولة العثمانية لم تدم طويلا إذ أدى خروج السلطنة العثمانية من (الحرب العالمية الأولى) مهزومة إلى عودة الكثيرين من العرب إلى أوطانهم وكان الحصري واحداً منهم إذ عاد لسورية في حزيران عام 1919 فعين مديراً للتعليم محققاً الكثير من التطورات على صعيد التعليم .‏

وبالرغم من الدعوات التي و جهت للحصري للبقاء في الدولة العثمانية إلا أنه قال يومها:إنه عربي وحين انفصل العرب عن الدولة العثمانية لم يكن ثم مندوحة من اللحاق بهم. أقام الحصري في سورية وتسلم وزارة المعارف واختير من قبل (الملك فيصل ) مبعوثاً إلى الجنرال (غورو) لوقف زحفه لدمشق غير أن مساعيه تحطمت تحت إصرار الفرنسيين وحقد الغزاة المعتدين. خلف (الحصري) الكثير من المؤلفات منها :فن التربية وآراء في التاريخ -يوم ميسلون العروبة أولاً, وغيرها من الكتب كثير وكثير. توفي الحصري في بغداد عام 1968 م ودفن في مقبرة الإمام الأعظم وتبلورت فكرة القومية عند الحصري فجعل أساسها اللغة والتاريخ وعمل جاهداً طوال حياته لتحقيق القومية العربية والرد على الدعوات الانعزالية والطائفية التي كانت تهدف إلى القطرية والذاتية وطمس هوية الأمة العربية. إن فكر الحصري يشكل مرحلة انطلاق العمل القومي نحو آفاق أعمق وأشمل.‏

الآن وبعد أربعين عاماً على غياب فيلسوف العروبة لا أبالغ إن قلت :إننا نبحث عن الإيمان القومي فلا نكاد نتبينه وإن تبيناه وجدناه في أعماق النفوس على استحياء حتى أن القابض على إيمانه القومي كالقابض على جمرة من نار وكأن الحصري بدأ حياته حالماً بالقومية وانتهت حياته بالحلم ذاته وكان ما بين الحلمين الكثير والكثير من خرط القتاد.‏

ولكن ستبقى القومية العربية مطلب كل عربي شريف وستستمر سورية التي أنجبت (الحصري) وفية لمبادئه القومية والعربية والوطنية مهما تعالت أصوات اليائسين والميئسين وسيظل الفكر القومي كما قال السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم الثاني :أساساً لوحدتنا المجتمعية وعنواناً لتوجهاتنا الثقافية والتربوية. وفي الختام :أتوجه بخالص شكري وامتناني لاتحاد كتاب فرع دمشق الذي دعا الأستاذ الدكتور جورج جبور لإلقاء محاضرة عن (ساطع الحصري) والشكر موصلاً منهم إلى المحاضر الكبير الذي تحدث فأغنى وأثرى وجمع فأوعى .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية