تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الثقة !!

محطة
الاثنين 3/3/2008
د.خلف الجراد

استجابة لرغبة قارئي زاويتي الأسبوعية, المطالبين باستمرارية التركيز على القضايا والشؤون الإنسانية اليومية, ولا سيما ما يتصل منها بالأمور النفسية والاجتماعية,التي تؤثر على علاقات الناس ببعضهم, وتحدّد بالتالي أنماط حيواتهم ومساراتها الإيجابية أو السلبية مع محيطهم الصغير أو الأوسع..

أتوقف اليوم عند كتاب شائق وجذّاب عنوانه (كيف تكسب ثقة الناس وتؤثر في الآخرين?) لمؤلفيه روجر فيشر وسكوت براون, اللذين ألحّا على أهمية تحديد المرء لأهدافه واختيار وسائله الصحيحة والأخلاقية للوصول إلى تلك الأهداف.‏

وقد نصح الكاتبان الجميع بطلب المشورة, خصوصاً في الأمور التي تكون فيها المشاعر قوية وطاغية, لارتباطها بمواقف وعلاقات وعواطف وانفعالات شخصية.‏

وقد أشارا إلى الآثار السلبية لإخفاء المشاعر وكبتها, حيث تربّي المجتمعات الشرقية بشكل عام أبناءها على منع إبداء آرائهم بما يقوله الكبار ومايقومون به من سلوك وتصرّفات, ومع التكرار والنمو يتعلم الأفراد أن إظهار مشاعر الحب والكره والغضب والحزن أمرٌ خاطئ, يسيئ (لتماسك الشخصية) في أعين الآخرين.‏

ولا يقتصر هذا النمط التربوي على المجتمعات الشرقية, حيث نجد أن الإنجليز يمثلون نموذج الشخصية الغربية المتحفظة جداً وشديدة البرودة, إذ تمتلئ لغتهم بالعبارات والمصطلحات التي تعكس سيطرتهم على مشاعرهم, مثل (القدرة على التحكم في انفعالاتك وأعصابك), أو (اقبل الأمور كما هي حتى السيّئ منها), أو (حذار من الانفعالات والاستسلام للعواطف) ... الخ.‏

لكن الباحثين يؤكدان أن إخفاء مشاعرنا يفضي إلى كبتها وتراكمها وتفاعلها, فتتفجر بصورة هدامة ومدمرة على هيئة غضب مفاجئ, أو تحقير وإهانات مسيئة, ينتج عنها مشكلات مزمنة في العلاقات الأسرية أو علاقات العمل أو البيئة الاجتماعية المحيطة.‏

أما خير وسيلة للتغلب على المشاعر التي تغلي في أنفسنا كالمراجل,فهي الاعتراف بوجودها ,والتحدث لشخص مقرب ومحب بشأنها (فالتحدث بخصوص غضبي أو مخاوفي أو قلقي (على عكس عرضها أوتفريغها) يوضح قدرتي على السيطرة على نفسي,والثقة بها ولايعني أبداً ضعفي).‏

ونصيحة الكاتبين لا تقتصر على التعبير الواضح عن مشاعرنا,ولكن الاعتراف بوجودها كإحدى مكونات شخصيتنا المتوازنة. إذ إن كثيراً من الصدامات والخلافات العائلية,وفي مجال الوظيفة ,تحدث لأن كل طرف لديه مفهومات ورؤىً ومشاعر مخفية لايرغب في إطلاع الطرف الآخر عليها,فلا يستطيعان حلّ خلافاتهما المشتركة لأنهما غير صريحين أساساً مع بعضهما.‏

وتساهم أوضاع الكبت للمشاعر والآراء والمعتقدات بحدوث حالات واسعة من سوء الفهم والانفجارات الفجائية لأسباب ظاهرية واهية وتافهة.وهي أمور حدثت في تاريخ العلاقات الدولية,كما تحدث بين الأفراد والجماعات المشتركة.‏

يحدث سوء الفهم لأسباب كثيرة ومتداخلة,فقد أكون مخطئاً في الحديث عن شيء ما,وتكون أنت ضعيف الانتباه والانصات والاستماع, أوقد تكون لديّ معلومات جديدة, في حين أنك تمتلك معلومات قديمة ,أوالعكس.‏

يطلق فيشر وبراون على ذلك كله عنوان (مشكلات الاتصال),مع شرح لمعوقات التفاهم المشترك,التي يمكن أن يكون لكل طرف دور فيها,ويقدمان اقتراحات مُجَرّبة للتأكد من وضوح الاتصال وفعاليته.وهي مسائل على مستوىً عالٍ من الأهمية والفائدة ستشكِّل مادة محطتنا وزاويتنا القادمة.‏

>> آخر الكلام للخليل بن أحمد:‏

(لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني‏

أو كنتُ أعلمُ ما تقول عذلتُكا‏

لكنْ جهلتَ مقالتي فعذلتني‏

وعلمتُ أنّكَ جاهلٌ فعذرتُكا)‏

Kh@khalaf - aljarad.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية