تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دعوة للحواراقتصاد السوق بين التدرج والصدمة!..

اقتصاديات
الاثنين 3/3/2008
عبد القادر حصرية

رداً على الدعوة التي أطلقتها الثورة للحوار حول اقتصاد السوق الاجتماعي وطريقة الانتقال الأفضل لهذا الاقتصاد , الجديد بالتدرج أم بالصدمة وردنا المداخلة التالية:

أكثر من سنتين ونصف مرتا على قرار المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي بتبني اقتصاد السوق الاجتماعي.‏

بعد هذا القرار صدرت الخطة الخمسية العاشرة التي من المفترض أنها تغطي الفترة الأهم من عملية التحول الى اقتصاد السوق الاجتماعي.‏

بالرغم من مضي هذه المدة,فإن هناك نقاشاً طويلاً حول مدلول كل من مصطلحي السوق والاجتماعي لكن بالنسبة لأي اقتصادي من الواضح أن في اقتصاد السوق يتم تخصيص الموارد الاقتصادية بحسب اليات السوق . التوجهات العامة في تطبيق النظام الاقتصادي الجديد هي تفادي الصدمة.‏

لكن النتيجة الواضحة هي أن الاصلاحات الهيكلية لم تبدأ بعد,حتى لم يتم الحديث عنها بوضوح.‏

اليوم وبعد عامين ونصف الطريق ما زالت طويلة,فمؤسسات القطاع العام ما زالت بحاجة لاصلاح وما زالت هناك قرارات تصدر وتعطي الحماية للقطاع العام وما زال الدعم أمراً ليس من السهل التعاطي معه.‏

إذا أمور كثيرة لم تحسم بعد في المشهد الاقتصادي وبما يعطي اشارة واضحة بالتوجه الاقتصادي بالنسبة للمواطن. المشكلة في التأخير في عملية التحول أنه يحدث ثغرة في التوقعات فالناس تربط بين عملية الاصلاح وبين ما يجري في الأسواق. اقتصاد السوق له تشريعات وله مؤسسات,أكثر هذه التشريعات والمؤسسات لم تكتمل بعد.‏

كذلك الاصلاح الاداري لا يمكن الحديث عن اقتصاد السوق بدونه,,علماً أن التقدم الحاصل على هذا الصعيد ما زال محدوداًجداً. القطاع الخاص ودوره ما زال موضوع جدل,عجز الموازنة العامة للدولة هو المؤشر الأهم على مسيرة الاصلاح الاقتصادي,هذا العجز الذي وصل في موازنة العام 2008 الى ما يقدر بمئة واثنين وتسعين مليار ليرة سورية.‏

في اقتصاد السوق ثمة مبادىء اساسية,أهمها أن الأصل هو أن للقطاع الخاص الدور الأساسي في الاقتصاد الوطني والاستثمار,والوظيفة الرئيسية للأجهزة الحكومية هي تسهيل هذا الدور.‏

لكن ممارسات الكثير من الدوائر العامة تشير بوضوح الى عكس ذلك.كذلك الأمر بالنسبة لتدخل الدولة,هذا الأمر يبدو أنه لم يحسم بعد من حيث النطاق أو الوسائل,لكن بالتأكيد تتدخل الدولة في اقتصاد السوق عندما تخفق السوق.‏

الدرب نحو اقتصاد السوق ما زالت طويلة,التشريعات التي تضمن المنافسة وتمنع الاحتكار لم تصدر بعد,وهذه التشريعات وتطبيقها أمران في غاية الأهمية لأن ممارسات القطاع الخاص بغياب المنافسة تسيء الى حد كبير الى اقتصاد السوق. أما الجانب الاجتماعي فلم تكتمل مؤسساته بعد,كما أن لغة اقتصاد السوق وأدواته لم يتم تبنيها بعد, الدول الأخرى التي سارت على هذه الطريق سواء عبر منطق الصدمة أم التحول التدريجي طورت مؤسسات للتعامل مع عملية التحول ومن أهم هذه الدول الشقيقة تونس,أما مصر التي تراخت في عملية الاصلاح فقد كانت النتيجة تأخر الاصلاح وكلفة أكبر لعملية الاصلاح.‏

المشهد الاقتصادي انتقالي بامتياز,بينما المواطن العادي يخلط بين ما هو موجود في السوق وبين اقتصاد السوق.اقتصاد السوق نظام عقلاني فيه تشريعات تحمي المستهلك بدءاً من قطاع التجارة الداخلية وانتهاءً بالقطاع المصرفي.‏

هناك افصاح وشفافية في اقتصاد السوق وما زلنا بحاجة اليها في مؤسساتنا. ترسيخ مبدأ المحاسبة ليس بمعنى الرقابة المشددة التي تشل المؤسسات بل بالافصاح الدوري من قبل القائمين عن المؤسسات ذات الشأن العام عن أدائها ومحاسبتها على هذا الأداء أمور اساسية في اقتصاد السوق لأن الافصاح يعطي صانعي القرار والمعنيين المعلومات التي تفيد في تخصيص الموارد وبدون هذا الافصاح تشل آليات السوق.‏

الحديث عن الصدمة أم التدرج أمر يبدو الآن غير عملي في ظل التطورات التي أملتها حقيقة العجز النفطي,فالتدرج كان ممكناً مع وجود فوائض النفط,أما اليوم وفي ظل العجز النفطي ومنعكساته على الموازنة العامة للدولة,فإن امكانية التدرج أصبحت ضعيفة إن لم تكن مستحيلة.‏

سورية بدأت عملياً عملية التحول منذ أكثر من عشرين عاماً,بعض الدول الأخرى التي بدأت عملية التحول بعدنا سبقتنا,أما نحن وبفضل النفط فقد استطعنا المحافظة على الكثير من مؤسسات اقتصاد التخطيط المركزي. هذا الأمر يبدو اليوم صعباً في ظل العجز في الميزان النفطي الذي يجعل الابطاء في الاصلاح مكلفاً جداً.هناك حاجة لتغيير ثقافي لا بد منه وهو يبدأ من المناهج الدراسية التي يجب أن تشجع على تنمية روح المبادرة لدى الفرد وتنمية المعارف اللازمة لدى طلابنا للتعامل مع اقتصاد الدولة فيه ليست أباً,وانما وظيفتها توفير الفرصة المتكافئة للجميع لتحقيق ذواتهم.‏

هذا التغير ما زلنا بعيدين عنه,ما زال الكثيرون يحاولون العيش في ذهنية وأدوات اقتصاد التخطيط المركزي.‏

هناك حاجة لتجذير ثقافة الاصلاح وذهنيته قبل كل شيء. هناك جدلية بين التدرج والصدمة,المشكلة أن عملية الاصلاح تتطلب تحفيز القطاع الخاص وهو ما يتطلب بناء الثقة لدى الفرد في مؤسسات الدولة وممارستها معه ينتج فقط عن اصلاح اداري حقيقي, بينما التدرج يتطلب الحفاظ على المؤسسات والصبر على بيرو قراطية باتت عبئاً على تنفيذ سياسات الاصلاح.‏

منطق الصدمة مستبعد لكلفته الاجتماعية لكن منطق التدرج وبدون جدول زمني ايضاً أمر غير عملي,إن لم يكن مستحيلاً.‏

هناك حاجة واضحة لرسم الحدود والفصل بين الاجتماعي والاقتصادي دون التقليل من أهمية أحدهما,فالخلط بينهما هو ما يؤدي الى ضعف أداء الشق الاقتصادي واستحالة استمرار الشق الاجتماعي للمشهد الاقتصادي.‏

التدرج كان خياراً في الماضي,أما اليوم فهو مستحيل والخيار هو بين تحقيق قفزة أو الصدمة,ولأن الصدمة لها آثار سيئة فهي مستبعدة,بقي أمامنا القفزة, لكن من المهم أن ندرك أن لا تحول بدون كلفة!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية