تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المناورات الأميركية في مواجهة النجاحات الروسية السورية ضد الإرهاب

متابعات سياسية
الأثنين 12-10-2015
بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط *

ظنت أميركا انها ستخدع العالم عندما زعمت انها تحارب الإرهاب وأنها بتشكيل التحالف الدولي بقيادتها ضد داعش، ستستطيع تخدير شعوب وحكومات المنطقة لتتكل عليها ولتنقذها من هذا التنظيم التكفيري الإرهابي

الذي أثبتت القرائن والوقائع انه لم يكن إلا منتجا من المنتجات الأميركية في معرض الانتهاك الأميركي لسيادة الشعوب والدول وامنها واستقرارها.‏

و في الميدان زعمت أميركا انها قامت بأكثر من 10الاف طلعة جوية خلال 14 شهرا بمشاركة ستين دولة انتظمت مباشرة أو بشكل غير مباشر في التحالف ضد الإرهاب و لكنها لم تحقق شيئا يذكر ضد داعش التي تمددت مكانا و تضخمت حجما و قدرات إذ بعد أن كانت لا تتعدى ال 35 الف مسلح قبل بدء الضربات الأميركية أصبحت 90 الف مسلح مع الضربات، التي تدعي أميركا انها تمكنت عبرها من القضاء على 1200 مسلح من داعش ، ما يعني و في حساب بسيط ان الإجهاز على إرهابيي داعش يتطلب مدة لا تقل عن 130 شهرا بالحساب الأميركي هذا اذا افترضنا أن داعش لن يتلقى متطوعين جدد.‏

وإلى هذا، أضافت أميركا رفضها التنسيق مع القوى التي تعمل بجد في محاربة الإرهاب وفي طليعتها الجيش العربي السوري الذي شهد له العدو قبل الصديق بصلابته واحترافه في مواجهة العصابات الإرهابية والذي بعد 5 سنوات من المواجهة لم تستطع تلك العصابات أن تنال منه أو من الدولة السورية التي يدافع عنها. رفضت أميركا التنسيق معه في حربها المزعومة ضد الإرهاب رغم علمها اليقيني بان أي حرب من هذا القبيل لا يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة إن لم تكن مستندة إلى قوى برية تلاحق الإرهاب لتطهر الأرض منه، لان العمل الناري الجوي يساعد في الأمر ولكن لا يحقق الأهداف المتوخاة إن لم يوجد رجل المشاة الذي يمسك بالأرض.‏

و في مجال آخر ادعت أميركا انها بصدد تدريب المعارضة السورية المعتدلة لقتال داعش و الحكومة السورية على حد سواء و خصصت للأمر 500 مليون دولار من اجل تدريب 6000 مسلح خلال سنتين أي بمعدل 1500 كل ستة اشهر و بعد المرحلة الأولى من التدريب المزعوم تبين أن الحصاد اقتصر على 54 مسلحا وضعت جبهة النصرة الإرهابية اليد عليهم و جردتهم من سلاحهم و لم يبق منهم سوى أربعة فروا من الميدان فكانت المهزلة الأخرى التي استوجبت على حد ما ذكر الأميركيون إعادة النظر ببرنامج التدريب و اعتماد برنامج بديل يقتصر على تدريب القيادات و الأطر التي بإمكانها أن تأمر في الميدان و لكن السؤال هنا: تقود من ؟ وتامر من؟ والأميركي لا يقدم جوابا بل أضاف إلى ما سبق مهزلة جديدة.‏

إن أميركا التي اتخذت الإرهاب أداة استثمار، واتخذت من الجماعات الإرهابية جسور عبور وعودة إلى العراق وسورية والى أي مكان في العالم تريد الدخول إليه لوضع اليد على قراره، ليست بصدد محاربة الإرهاب أو اجتثاثه بل انها تتخذ من الإرهاب ذريعة للتمدد والسيطرة، وأنها بمناوراتها المزعومة تريد أن تخدر الشعوب حتى تستسلم وتسلم أمرها لها وترضخ لقراراتها خوفا من الإرهاب وأملأ بالمنقذ الأميركي المزعوم.‏

قد تكون الخطة الأميركية انطلت على البعض لكنها لم تجد ممرا لها أو قبولا لدى محور المقاومة الذي خبر أميركا و عرفها جيدا ، و الذي تزداد قناعاته كل يوم بانها عدو للشعوب الحرة و لأمنها و سيادتها ، لذلك لم تثق سورية بالزعم الأميركي و اعتبرت منذ البدء بان التحالف الأميركي الكاذب لم يتشكل إلا من اجل السيطرة و تحقيق أهداف العدوان الأميركي على سورية لذلك استمرت في قراع الإرهاب بالطريقة التي يتطلبها الموقف ثم تطورت استراتيجيتها مع محور المقاومة إلى أن وصلت إلى حد طلب المساعدة العسكرية بالدعم الناري من روسيا التي استجابت للطلب السوري و بادرت إلى العمل وفقا لخطة عسكرية علمية تقوم على أركان أربعة هي :‏

جمع المعلومات الميدانية الدقيقة عن الإرهابيين وتحديد معمق لمراكزهم وقدراتهم وخططهم.‏

معالجة فعالة بالنار التدميرية من مختلف المصادر (جوا وبحرا) لمواقع الإرهابيين بما يؤدي إلى تشتيتهم وتجريدهم من القدرات الهجومية أو الدفاعية.‏

تقديم الإسناد الناري الفعال للقوات البرية من الجيش العربي السوري التي تعمل لتطهير الأرض.‏

إقامة السدود والأحزمة النارية الدفاعية لتحصين المواقع السورية ومنع الإرهابيين من العودة اليها. .‏

خطة عسكرية وضعت موضع التنفيذ فحققت في اقل من أسبوع ما أذهل كل من تابعها وفضحت الزيف والنفاق الأميركي في محاربة الإرهاب، حيث أن العمل الجدي الروسي السوري المتكامل أدى في اقل من أسبوع إلى إخراج أكثر من 7000 مسلح من الميدان بين قتيل أو مصاب أو فار اومستسلم، كما انه أدى إلى الإجهاز على ما يصل إلى 40 % من البنية التحتية للإرهابيين خاصة ما يتصل بمنظومات القيادة والسيطرة واللوجستية والدعم الناري، ومكنت من استعادة أكثر من 120 كلم2 في ريف حماه وإدلب.‏

أمام هذه النتائج الرائعة شعرت أميركا بالحرج الشديد لان العمليات العسكرية الروسية السورية المنسقة فضحت زيف ادعاءاتها وبعد أن كانت تقول إن الحرب على داعش تتطلب 10 سنوات أثبتت العملية الروسية السورية بأن المهلة قد لا تتعدى الـ 4 أشهر وفي أبعد تقدير قد تصل إلى ستة أشهر تكون سورية قد استعادت بعدها السيطرة على كل مفاصل الدولة ومراكز الثقل النوعي الاستراتيجي فيها ويبقى الأمر بعد ذلك محصورا في عمليات امنية لا ترقى إلى مستوى العمل العسكري الكامل.‏

أمام هذا الوضع يبدو أن أميركا تتجه إلى مناورة تعطيلية تتوخى منها كبح العمليات الروسية، وحجب النفاق الأميركي مناورة يبدو انها تقوم على مايلي:‏

تكثيف المساعدات العسكرية لتعزيز القدرات القتالية للإرهابيين عبر تسليمهم صواريخ مضادة للطائرات لمواجهة الطيران الروسي، وصواريخ مضادة للدروع لعرقلة تقدم القوات السورية خاصة بعد الإعلان عن تشكيل الفيلق الرابع اقتحام.‏

تجييش العداء المذهبي ضد روسيا وإظهارها بانها تعمل لنصرة مذهب ضد مذهب إسلامي والتلويح بحرب دينية ضدها لمنعها من الاستمرار في العمل الذي تقوم به ضد الإرهاب.‏

محاولة إجراء تقسيم مكاني وزماني للأجواء السورية بحجة التنسيق بين الطيران الروسي والطيران الأميركي لحرمان الطيران الروسي من الوصول إلى بعض المراكز والجماعات الإرهابية الأساسية.‏

استفزاز الدولة السورية باستهداف البنية التحتية لها كما فعلت بتدمير محطات الكهرباء في حلب.‏

الضغط المتعدد الأشكال على روسيا لوقف عملياتها، وتحويل مسار الأحداث باتجاه يمكن أميركا من بلوغ الأهداف التي وضعتها لنفسها منذ بدء العدوان على سورية (إسقاط الدولة وتغيير نظامها).‏

تلجأ أميركا بعد افتضاح أمرها إلى هذه المناورات ممنية النفس بوقف النجاح الروسي السوري المقاوم في محاربة الإرهاب، ولكن الوعي والبصر الحاد لدى روسيا ومحور المقاومة كافيان لإجهاض المناورة الأميركية ...فقد حقت الحقيقة وبهت الذي كفر.‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية