|
البقعة الساخنة وبعد رفض الأخيرة النصيحة الروسية بأيام برز إعلانها التخلي عن برنامج تدريب معارضيها المعتدلين ممن سبق للرئيس الأميركي ذاته أن وصفهم بالفانتازيا، فماذا يخفي قرار التخلي، ولماذا صدر في هذا التوقيت؟. إذا كان قرار التخلي يعتمل معاني الإقرار بالفشل، فقد كان من الواجب ألّا يذهب نصه إلى مقولة أن واشنطن ستدعم بالسلاح مجموعات منتقاة من (المعارضة)، وطالما أنه ذهب إلى ما ذهب إليه من استمرار تقديم الدعم لقطعان الإرهابيين الذين من الصعب رصد فوارق بينهم إلّا في أسماء فصائلهم، فمعنى ذلك أن أميركا ما زالت تُقيم في خانة المواجهة ولا تكتفي بالإنكار والمكابرة. وإذا كان الانسحاب من الحلبة يبدو خياراً تستبعده أميركا لأنها ترى فيه ما يسيء لسمعتها وهيبتها ويعني من جملة ما يعنيه خضوعها لإرادة خصمها الروسي وحلفائه، فإن الإنكار لن يغير في الواقع شيئاً، ناهيك عن أن المناورة التي تعتزم القيام بها (بدعم مجموعات منتقاة) ستُلحق بسمعتها وهيبتها ومصداقيتها ما هو أعظم حتى من إعلان انسحابها، فما الأمر الذي تُدبره، وما خطوتها التالية؟. قد يكون التنبؤ بما تُخطط له أميركا أمراً صعباً، غير أن التنبؤ بإخفاقه مهما كان جديداً وشيطانياً هو أمر سهل وواقعي، ذلك أنها ربما لم تدع هي وأدواتها وسيلة إلا واستخدمتها، ولم تترك خبيثاً إلا وقد دفعت به، لكنها انتهت دوماً إلى الفشل، ولن تنتهي خططها العدوانية اليوم وغداً إلا إلى ذات النتيجة التي قد يكون وقعها أشد بكثير عليها وعلى بقية الأدوات. أميركا دولة كبرى وقوة عظمى لا يُستهان بها، غير أن الكبار لا يليق بهم أن يلعب بهم الصغار، ولا يليق بهم أن يتحركوا مرة بعد مرة في الاتجاهات الخاطئة تلبية لرغبات حالمين هنا وواهمين هناك، وإذا كانت أميركا تُقيّم ذاتها تقييماً صحيحاً لناحية القدرات والمقدرات، فعليها ألا تسيء تقييم الآخرين، وإن كانت جادة فيما تذهب إليه، فعليها أن تتلمس مقادير الجدية التي يتمتع بها الآخرون. باختصار شديد يمكن القول: ما تبقى من أوراق في يد أميركا ستحترق كما احترقت سابقاتها، فالجبهات تتقلص والمساحات تضيق والأدوات تتبدد والوقت يمضي بسرعة في غير صالحها، وبالتالي فإنّ قرار التخلي قد يكون صائباً إذا كان شطره الآخر للاستهلاك الإعلامي، وأما الإنكار والمكابرة فهي من السمات التي كانت تلازم أميركا قبل كل استدارة، وليس ضرورياً أن تحمل الاستدارة هنا معنىً إيجابياً. |
|