تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


استيطان ماقبل 1948 ...الاغتصاب الأول لفلسطين

شؤون سياسية
الثلاثاء 5-1-2010
وائل ديوب

أصبح من البديهي أن زيادة عدد المستوطنات الإسرائيلية واتساع رقعتها يمثل مزيداً من الاحتلال وتقليص الأراضي الفلسطينية، وقرار التجميد المؤقت لايعني إنهاء البناء فيها على أي حال

ولا إلغاء أي منها بكل الأحوال، لا بل لايعدو كونه مناورة لتحقيق مكاسب أكثر وفي مقدمتها تأخير قيام الدولة الفلسطينية المأمولة.‏

وقد يكون الفرق بين مايجري حالياً من نشاط استيطاني وبين ماجرى قبل قرار تقسيم فلسطين العربية بحربة دولية هو الواقع الإعلامي وتنوع المصادر الإعلامية التي توفر معلومات تؤكد قضم أراضٍ فلسطينية جديدة أمام مرأى العالم كله، وإعلامياً نلحظ اجماعاً دولياً على ضرورة وقف بناء المستوطنات، لكن بنظرة تاريخية نجد أن اللعبة مستمرة وقادة العالم في الصفوف الأولى يتفرجون.‏

لقد شكل الاستيطان الصهيوني عنصراً رئيسياً من عناصر إقامة إسرائيل باعتباره وسيلة عملية لتهويد فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني فيها وتزويده باستمرار بالعنصر البشري لتقوية طاقاته العسكرية والاقتصادية، ويمكن اعتباره النواة الأولى للمشروع الصهيوني، حيث ساهم لاحقاً وبشكل كبير في تأسيس إسرائيل وتوسعها.‏

وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية في طرحها للاستيطان، حيث حولت ممارساتها الاستيطانية العملية في فلسطين إلى مفهوم توراتي هو عودة الشعب اليهودي إلى «أرض الميعاد» وعملت على ترويج مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» من أجل جلب أعداد كبيرة من اليهود من مختلف أنحاء العالم وإحلالهم مكان السكان الفلسطينيين الأصليين.‏

بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين تلوح في الأفق بعد ظهور حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر على يد مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب الجديد بترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي، وإنما هم شعب الله المختار ووطنهم المقدس فلسطين ويجب أن يعودوا إليه، ثم تبعهم المبشرون الأميركيون الذين دعوا إلى عودة اليهود إلى أرض صهيون.‏

وشرعت الدوائر الصهيونية منذ بداية القرن التاسع عشر بالعمل على الاستيطان في فلسطين مستغلة بعض الظروف السياسية السائدة في ذلك الوقت وأهمها ضعف الدولة العثمانية والمساعدات الكبيرة التي قدمتها بريطانية بعد انتدابها على فلسطين.‏

وتشير معظم الدراسات إلى أن المحاولات الأولى للاستيطان اليهودي في فلسطين تعود إلى جهود الثري اليهودي منتي فيوري، الذي استطاع في عام 1855 شراء قطعة أرض في مدينة القدس وأقام عليها أول حي سكني يهودي.‏

وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل عام 1897 بوضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني ووضعت برنامجاً يدعو إلى العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود.‏

ومنذ بدء حركة الاستعمار الاستيطاني تمكن المستوطنون اليهود، بمساعدة المؤسسات الصهيونية من جهة ودعم بريطانيا من جهة أخرى من السيطرة على المناطق الاستراتيجية في فلسطين وكذلك السيطرة على مقدراتها الاقتصادية ومواردها المائية ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة وإقامة العديد من المستعمرات اليهودية والتي تطور العديد منها ليصبح مدناً كبيرة، وقد حرصت هذه المؤسسات على أن تكون المستعمرات في مناطق متباعدة من أجل توسيع رقعة «الدولة اليهودية» المقبلة.‏

وعلى الرغم من أن الدولة العثمانية لم ترحب بالاستيطان اليهودي في فلسطين، إلا أن النشاط الاستيطاني استمر في أواخر حقبة الحكم العثماني واستفاد من الظروف الملائمة التي وفرها الانتداب البريطاني ووعد بلفور المشؤوم.‏

وتعتبر مرحلة الانتداب البريطاني في فلسطين المرحلة الذهبية للاستيطان الصهيوني وبدء الاستيطان الفعلي في الأراضي الفلسطينية، حيث التزمت بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ووفرت غطاءً مناسباً وتسهيلات واسعة لنقل ملكية الأراضي الفلسطينية إلى المنظمات الصهيونية وتم تكثيف عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية مترافقاً مع زيادة في وتيرة الهجرة اليهودية وأعداد المهاجرين من أجل تغيير المعادلة الديموغرافية.‏

وقد أكد هذه الحقائق عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعياهو بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت بقوله: «لاصهيونية دون استيطان، ولا دولة يهودية دون إخلاء العرب ومصادرة الأراضي وتسييجها».‏

وإذا كان هدف الاستيطان في مراحل ماقبل عام 1948هو الإعداد لإقامة وطن لليهود فإنه بعد قرار التقسيم تمثل في ترسيخ القاعدة البشرية والاقتصادية والعسكرية لإنشاء دولة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية