تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية...الراحلون أكثر حضوراً والرواية حسب الطلب

ثقافة
الثلاثاء 5-1-2010م
ديب علي حسن

صدر التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية عن مؤسسة الفكر العربي وهو مختلف عن التقرير الأول الذي توقف عند محطات مختلفة عن محطات التقرير الثاني، أما ملفات التقرير الأساسية فهي: المعلوماتية،

التعليم، الاعلام، الابداع، الحصاد الفكري السنوي.‏

في مقدمة التقرير التي كتبها أمين عام مؤسسة الفكر العربي/ منسق التقرير سليمان عبد المنعم يطرح التساؤلات التي يقدمها التقرير إذ يقول: لأن كل اجابة صحيحة تتوقف على دقة السؤال فإن أي رؤية للتنمية الثقافية (بحسبانها اجابة مفترضة) تتطلب طرح أسئلة دقيقة بشأن قضايا محددة ومثل هذه الرؤية على صرامتها المنهجية لا تنفي حاجتنا إلى خيال ثقافي وبهاتين الاثنتين- المنهجية والخيال- يمكن طرح قضية التنمية الثقافية وما تثيره من تساؤلات في مجتمعنا العربي.‏

ويحاول هذا التقرير في ملفاته الخمسة أن يقدم اجابة عن عدد من التساؤلات المهمة والملحة في مجالات المعلوماتية والتعليم والاعلام والابداع، ففي مجال المعلوماتية تتعدد الأسئلة، ما هي أوضاع عالمنا العربي طبقاً لمؤشرات مجتمع المعلومات في ظل الاستراتيجيات الحكومية الحالية؟ وكيف تبدو هذه الأوضاع طبقاً لمؤشرات البيئة الابداعية؟‏

وما يهمنا أن نقف عليه في هذه العجالة هو الملف الابداعي إذ كان التساؤل في فضاء الابداع حسب مقدمه -حول ملامح وهموم الرواية العربية عموماً خلال العام 2008، وما أهم الروايات العربية الصادرة التي تميز بها العام المنصرم؟ وكان الملف الأدبي ساحة للتساؤل حول ما اتسمت به الكثير من الروايات العربية من محاولة استعادة الماضي (في المكان والزمان) وتحولات الواقع العربي وتناقضاته وكيف تواجه هذه الرواية سؤالها القديم الحديث حول العلاقة بين الشرق والغرب..‏

هل ثمة حقاً رواية نسوية صادرة، ولم تغب تساؤلات الشعر أيضاً عن الملف الابداعي..‏

الإبداع الروائي والشعري‏

يقول معد التقرير الابداعي: لعل ما ميز السنة 2008م عن سائر السنوات المنصرمة أنها كانت سنة سجالية على مستوى الابداع الروائي والشعري لعلها من السنوات القليلة التي تساوى فيها حضور الرواية وحضور الشعر، فلم يطغ أحدهما على الآخر، ويضيف التقرير: استأثرت الرواية العربية بالكثير من الاهتمام الاعلامي والنقدي خلال العام 2008م وغدت تحافظ على الصفة التي باتت تطلق عليها بأنها (ديوان العرب) حتى وإن لم تكن هذه الصيغة محقة، فالرواية الحاضرة بقوة ضمن المعترك الأدبي العربي الراهن لم تستطع أن تلغي الصفة القديمة عن الشعر لكونه (ديوان العرب) أما زمن الرواية الذي يتحدث عنه النقاد من أكاديميين وصحفيين فلم يتمكن بدوره من الغاء (زمن الشعر) حتى وإن طغت الاصدارات الروائية من ناحية الكم على الاصدارات الشعرية.‏

- تعبير عن أزمات‏

وحسب التقرير فإنه من الممكن القول: إن الرواية تعبير فني عن الأزمات المصيرية التي تواجه الانسان العربي، فالذات المبدعة تحس غموضاً يعتري حركة الواقع ومجراه، وتشعر أن الذات الانسانية مهددة بالذوبان والتلاشي وفي ظل تفتت القيم واهتزاز الثوابت وتمزق المبادئ والمقولات وغموض الزمن الراهن وتشظي المنطق المألوف والمعتاد يصبح الابداع الشعري غير قادر على تفسير الواقع وتحليله وفهمه و يصبح عاجزاً عن التعبير عنه وتصبح الحاجة ماسة الى ابداع روائي يعيد النظر في المسلمات والثوابت وبدت التجارب الروائية الجديدة كأنها كتبت لتتمرد على المنظومات الفكرية والايديولوجية المألوفة ساعية إلى صوغ أبنية سردية وتجسيد قيم التعدد والتنوع والشك والحيرة والتيه والابهام وتبدي هذه التجارب الروائية حساسية خاصة تجاه الزمن الذي حاولت كسره أو تفتيته فيفقد أهم خصائصه وهي التتابع والتراكم ويبرز عوضاً عنه زمان مبهم ومكان قلق يؤطران تناقضات البشر ومفارقاتهم ولا يرسمان وجهة محددة سوى التيه وغياب المنطق وهيمنة القمع على جسد الانسان وروحه.‏

وحسب التقرير فإن اللغات الأجنبية ما فتئت تغري الكثير من الروائيين العرب، هذه الظاهرة برزت العام 2008 وغدت حاضرة سواء عبر الأسماء الكبيرة التي واصلت تجربتها الكتابية بالفرنسية والانكليزية أم عبر الأسماء الجديدة التي وجدت في اللغة الأجنبية ملاذاً للهروب من حصار اللغة العربية إلى فضاء العالمية أو التي نشأت على الكتابة باللغة الأجنبية تبعاً لاغترابها المكاني أو الثقافي.‏

الشعر.. عام قصيدة النثـر..‏

حسب التقرير اختلطت الأجيال والمدارس الشعرية خلال العام 2008م في مشهد واحد بدا وكأنه يوالف بين تيارات عدة طالما اختلف بعضها عن بعض وطالما تنافرت وتناقضت، فهذا العام كان عام قصيدة التفعيلة الحرة والقصيدة العمودية القائمة على العروض وكان هذا العام أيضاً عام الشعراء الشباب الجدد وما بعد الحداثيين مثلما كان عام الشعراء الرواد والمخضرمين الذين خاضوا معركة الحداثة، ولاسيما في الستينيات من القرن المنصرم مثلما كان أيضاً في بعض ملامحه عام بعض الشعراء النهضويين الذين تمت استعادتهم ولوعابراً.‏

وحسب التقرير فإن أزمة القارئ الشعري هي الأبرز وتشهد عليها أرقام المبيعات الشعرية، هناك دواوين لشعراء محدثين بارزين قد يكون من الفضيحة ابراز أرقام مبيعها، وقد يكون لجوء الكثيرين من الشعراء إلى حفلات التوقيع حلاً لهذه المشكلة، حركة الترويج هذه لا تعبر عن حرية الاقبال عن الدواوين.‏

وحسب التقرير أيضاً فإن نزار قباني لا يزال الشاعر العربي المعاصر الأكثر مبيعاً على الرغم من تراجع أرقام بيعه خلال الأعوام العشرة ولاسيما في معارض الكتب العربية ويضيف التقرير: معظم الجوائز الأدبية في العالم العربي تذهب إلى الأدباء الكبار أو المكرسين، الأدباء الشباب لايحصدون سوى النصائح وبعض عبارات التشجيع والشهادات التي يتكرم بها عليهم أساتذتهم أو الأدباء الذين يكبرونهم سناً وتجربة.‏

ويخلص التقرير إلى القول: الأدباء الشباب العرب يستحقون أن يحظوا بجوائز تغطي حقول الرواية والقصة والشعر وتدعمهم في مقتبل حياتهم الأدبية وتلفت الأنظار إليهم وتلقي ضوءاً على أعمالهم وتجاربهم..!!‏

خلاصة التقرير حافل بالدراسات والمعطيات المهمة التي لا يمكن اختزالها والاشارة لا تكفي، وربما يحق لنا أن نقول إنه مؤشر حقيقي نتمنى أن يطلع عليه المعنيون في الثقافة العربية لفعل شيء ما.‏

ولابد من الاشارة إلى أن التقرير الأول توقف عند حركة النشر في الوطن العربي وقدم أرقاماً مهمة ومؤشرات لها مدلولاتها لكن التقرير الثاني تجاهل ذلك ونتمنى أن يلحظ التقرير الثالث حركة النشر والترجمة واشارة أخرى لابد منها ألا وهي طرح سؤال ملغوز: ماذا بقي من نزار قباني بعد رحيله ومع الاشارة إلى أن مبيعات مجموعاته قد تراجعت لكنها بقيت في المقدمة ؟ ولنا في هذه النقطة عودة ثانية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية