|
ملحق ثقافي وكنت في بدايات عملي كموظف في مؤسسة الأقطان، فاستقبلت في مكتبي بالدار رجلين من المعارف الذين أحمل لهم الاحترام، وكان أحدهم مهندساً زراعياً أكن له الود، وكان برفقة مسؤول في القيادة. الأول هو أمين فرع الحزب بحلب، فكان ترحيبي بهما قد وصل حدود الدفء الذي يليق بهما، وأن اللقاء الحميم ساد الجلسة وتبادل الأحاديث له علاقة بالدولة في الوقت الذي يسعى فيه الضيفان إلى الدفاع عنها. وفجأة تم عرض وظيفة عليّ لتسلمها، وكانت في جامعة حلب كأمين لها، وكنت آنذاك محاضراً في كلية الزراعة. شكرت لهما الثقة بي ولكني أعلنت عن رفضي للوظيفة لأني لا أملك معرفة قانونية تؤهلني لاحتلال منصب كهذا. ومن جديد عرض علي لأكون مديراً عاماً لشركات الزيوت الثلاث بحلب، وكان مثل هذا المركز الفني الإداري يسمح لي مبدئياً بقبوله. لبثت صامتاً أقلب الأمر على جوانبه، إلا أنني قمت بعد قليل إلى مكتبي لأخطط بالمسطرة على ورقة أعمدة متوازية. كتبت في رأس أحدها (اسم المرشح المقترح) وفي الثاني (الكفاءة العلمية من شهادات جامعية) وفي الثالث (المعرفة بلغة أجنبية) وفي الرابع (توفر الخبرة وعدد سنواتها) وفي الخامس (اللياقة الشخصية) وأما في آخر الأعمدة (العلاقة الوطيدة مع السلطة القائمة) كما وضعت في رأس تلك الأعمدة العلامة المقترحة التي كان مجموعها المائة. وتقدمت بالورقة إلى ضيفيّ العزيزين بينما أقول لهما «لو أنني رشحت من ضمن مجموعة لا تقل عن خمسة، وحصلت على أعلى العلامات فإني سأقبل بالوظيفة التي يشرفني أن أكون فيها ومستحقاً لها». تبادل الضيفان النظر، وما لبثا أن جعلا التطلع إلي، وكأني غريب وهتف صديقي «هل تتصور بهذا أنك تعاملنا كطلاب عندك؟»، وقلت مخلصاً «هذا ما يجب أن يحدث دوماً. أنا شاكر لكما هذه الثقة لأني غير حزبي أصلاً، ولكن ما هو مفترض أن تكون هذه الطريقة بداية لتأثيث إدارة حكومية». شربنا القهوة بعد توقف الحديث عن أية وظائف إدارية، وبعد ذلك خرج الضيفان من الدار، وبت في وحدتي مع رفوف المكتبة التي كانت تحيط بي من كل جانب، وتساءلت إن كنت قد بالغت أم أنني أضعت الفرصة، إلا أنني شعرت بأن الصواب هو ما فعلته. ألم يكن طرحي الإداري وسيلة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ |
|