تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الفرعون الأخير محمد علي

ملحق ثقافي
5/1/2010م
خيري الذهبي

مع قراءتي لكتاب الفرعون الأخير وهو كتاب عن محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا

وما فعلاه في الشرق في القرن التاسع عشر، هذا القرن الذي كان مرشحاً للقفز فيما سيسمى فيما بعد بالوطن العربي إلى مصاف الدول الكبرى في العالم، أو على الأقل لما يشبه ما حصل في اليابان التي تقصر عن الوطن العربي في كل شيء إلا في الموقع النائي الذي لم يشجع سكان الجانب الآخر من المتوسط على تدمير التجربة اليابانية كما دمروا التجربة المحمدعلية تدميراً انتهى إلى احتلال بريطانيا لمصر ومحو كل ما أنجزه محمد علي من إنشاء المدارس، أو الكليات الفنية العليا المهندسخانة والمساوية للبولي تكنيك الفرنسية في تخريج العلماء والمهندسين الذين قفزوا بمصر والشام تلك القفزة التي حاول الغرب والعثمانيون فيما بعد وأدها، وإلى إدخال الزراعات الجديدة كالقطن والأرز والتوت لتربية دور الحرير إلى أنواع العنب الفاخرة، إلى إنشاء الجيوش الوطنية التي فعلت الأعاجيب في القرن التاسع عشر، وجاء البريطانيون المحتلون، فكان أول ما فعلوا إلغاء التجربة التعليمية الرائعة والعودة بالتعليم إلى حفظ النصوص فقط حسب تعليمات دنلوب المستشار التعليمي البريطاني، وكان ثاني ما فعلوا إلغاء الجيش المصري العظيم.. إلخ.‏

مع قراءتي لكتاب الفرعون الأخير وهو كتاب أكثر من هام وضعه مؤرخ فرنسي هو جيلبير سينويه، وقدمه مستشرق وباحث فرنسي هو ديروش نوبلكور، وترجمه المرحوم حافظ الجمالي وهو أستاذ كبير ورئيس لاتحاد الكتاب سابق، ولكن ملاحظتي الأولى على نشر الكتاب هي أنَّ من قدموه إلى وزارة الثقافة لنشره قد ظلموا المرحوم الجمالي، فمن الواضح أنَّ الكتاب لم يراجع، ولم يصحح بعد ترجمته، وأن أهله، أو ورثته أو لست أدري من قدموه للنشر قد تعجل إذ ليس من المعقول أن يترجم الجمالي اسم ميناء ينبع الحجازي بكلمة يامبو بصيغتها الفرنسية، وليس من المعقول أن يقدم الجمالي كلمة شاناكالا بديلاً عن كلمة شنق قلعة العثمانية والتي ما تزال أجيال من الشاميين تتذكرها لكثرة الضحايا الشاميين الذين ماتوا دفاعاً عنها في الحرب العالمية الأولى وما قبلها، وليس من المعقول أن يتحدث عن أمجاد سيزار وهو يقصد الاسم المشهور عربياً يوليوس قيصر، وليس من المعقول أن يقدم اسمي الدكتور جيكل والمستر هايد بطلي رواية ستيفنسون الشهيرة وهي الرواية التي تتحدث عن ثنائية الشخصية البشرية الظاهرة والخفية حتى لأصبح الاسمان رمزاً لهذه الثنائية، ليس من المعقول أن يقدمهما بالأحرف اللاتينية وكأنه لم يعرف مدلولهما، وليس من المعقول أن يتحدث عن توزيع الفروات التكريمية فيضيع المعنى وهو يقصد بها الخلع التكريمية التي كان السلاطين والولاة يخلعونها على المرضي عنهم، أو تسمية أحد المدافعين عن الدرعية في نجد بـ «هاجيلان» وهو يعني حجلان وهو اسم بدوي معروف، أما كتابته لأسماء المدن المصرية مثل اسنا وجرجا وقنا بالأحرف اللاتينية، وكأنه لم يعثر على أصلها العربي،،فهذا ما لا أعتقد أن أستاذاً كالجمالي يمكن أن يقع فيه، ولكن تسرع من سلمه للنشر في الوزارة، وتسلم القائمين على النشر فيها الكتاب دون مراجعته هو ما أساء إلى كتاب بهذه الأهمية وإلى اسم كالجمالي شديد الأهمية.‏

على أية حال، في ثنايا الكتاب سنقرأ اسم البارون دو داماس وكان وزيراً لخارجية فرنسة في عشرينيات القرن التاسع عشر، ومعنى اسمه النبيل حاكم دمشق، وطبعاً لم يكن الرجل كذلك أبداً، وبعد ما يقارب القرن سنقرأ في كتاب لامازيير الروائي والصحافي الفرنسي سنقرأ حديثه عن واحد من المطالبين بعرش سورية، وكان فرنسياً اسمه دوق دوداماس أي دوق دمشق.‏

وأخذت أراجع ذاكرتي، فمن أين وصل إلى هذه الأسرة هذا الادعاء واكتشفت أن الصليبيين وفي حملتهم الثالثة التي حاصروا فيها دمشق، قد اقتنعوا أنهم فاتحيها ولذا عيَّنوا نبيلاً فرنسياً كونتاً على دمشق، ولما أخفقت الحملة وعادت بأقل من خفي حنين ظننَّا أن التجربة اختفت وأنَّ الاسم واللقب قد سقطا بإخفاق الحصول على الكونتية أعني دمشق، ولكن أن ينتهي فرنسي بعد سبعة، ثم ثمانية قرون ليدعي حمل اسم حاكم دمشق، فهذا أمر يلفت النظر، إذ كيف احتفظوا بالذكريات ونسينا، وليس في ذاكرة، أو سجلات العرب المعاصرين كلهم من يحمل اسم أمير اشبيلية، أو قرطبة، أو بواتييه، أو ملاطية، أو بخارى.... والسؤال الجارح لماذا ظل تاريخهم حياً في سجلاتهم، وانقطع التاريخ عنا حتى لا نعيش إلا في لحظتنا الراهنة البائسة رغم أن كل آلامنا ومآزقنا الحضارية هي بقايا من تاريخ انقضى ومضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرناً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية