تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سباق الصين وأميركا إلىالصدارة

شؤون سياسية
الأربعاء 6-1-2010
علي سواحة

منذ العام ألفين وإلى اليوم حققت الصين نمواً سنوياً بلغ 10.2 بالمئة ما وصفها البعض بالنمر الآسيوي القادم بقوة مقارنة مع قوى آسيوية أخرى كالهند التي بلغت نسبة نموها سبعة بالمئة وفيتنام اثنان بالمئة ومثل هذه النسب للصين وهي الأعلى عالمياً جعلها في ذروة الاهتمامات.

الرئيس الأمريكي الذي سارع لزيارتها إضافة إلى اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية ليجدد الاهتمام الأمريكي بالعلاقات مع الصين التي لاتزال معقدة في طبيعتها ومستقبلها، ولماذا الصين وليس الهند، هذا الاهتمام الأمريكي يعود بطبيعة الحال لأن الهند وفق التقييم الأمريكي ستظل دولة استهلاكية وهذا حاصل فعلاً إذ بلغ الناتج الهندي للاستهلاك المحلي أكثر من ستين بالمئة إضافة إلى عجز في الميزان التجاري الهندي الذي قارب 4،3 بالمئة من الناتج العام ما يجعلها مجبرة على الاعتماد لسنوات قادمة على المزيد من الاقتراض من الآخرين، ومثل هذا الوضع العام للهند لا يقلق أمريكا والغرب بقدر ما يقلقهم النمو الصيني المتسارع.‏

ولو دققنا قليلاً في كوامن الاقتصاد الصيني لوجدنا أنه في مجال الاستثمارات على سبيل المثال تتفوق الصين عالمياً ما يعني أن اقتصادها يعيش بحبوحة من الثروة والأرصدة وهذا ما يقلق أمريكا تحديداً على المستوى الراهن والمستقبلي، ووصلت نسبة الاستثمارات الصينية بالخارج أكثر من 49 بالمئة و 28 بالمئة لكوريا الجنوبية و 31 بالمئة لسنغافورة و 44 بالمئة لفيتنام وهذا وحده يفسر المنافسة الحاصلة أمريكياً فرنسياً للاستفادة من المعجزتين الصينية والفيتنامية، لكن الفارق الهام والحاسم بين الاقتصاديين الصيني والفيتنامي هو أن الأول ينتج فائضاً تجارياً يساوي ثمانية بالمئة من الناتج العام بينما ما زالت تحقق فيتنام عجزاً تجارياً يساوي 21 بالمئة ورغم أنها تصدر حوالي /73/ بالمئة من منتوجها تبقى وارداتها أعلى من ذلك بكثير.‏

إذاً يبقى السؤال الهام بشأن دوافع القلق الأمريكي من الصين والجواب هو بمن سيملك المستقبل في ضوء الوقائع الحالية لكلا البلدين.‏

ففي ظل الانحدار الأمريكي في منحاه الاقتصادي الحالي واستمرار الصين في سلوك طريقها المزدهر حالياً فلابد أن المستقبل سيكون للصين ولتعاظم قوتها ولاسيما أن الصين حالياً تقرض أمريكا كي تسد عجزها في ميزان حسابها التجاري وبلغت كمية اكتتابات الصين في سندات الخزينة الأمريكية حوالي ثمانمئة مليار دولار ما يجعلها شريكة فعلية في الخزينة الأمريكية ولذلك فالصين متضررة اليوم من هبوط أسعار الدولار عالمياً لكن صادراتها تتعزز في نفس الوقت مستفيدة من هذا التراجع في قيمة الدولار، وفي العام الماضي 2009 على سبيل المثال بلغت الصادرات الأمريكية 1.6 ألف مليار دولار مقارنة بـ 1.34 ألف مليار دولار للصين لكن المشكلة تكمن في الواردات، حيث بلغت الواردات الأمريكية 2،23 ألف مليار مقارنة بـ 1.1 ألف مليار للصين.‏

وكذلك الحال لمؤشرات التجارة الخارجية الذي كان متناقضاً بين الولايات المتحدة والصين لصالح الأخيرة، فمنذ عام 1995 إلى العام الماضي 2009 سجل الفائض التجاري الصيني قفزات هائلة من 1،6 بالمئة إلى 7.9 بالمئة إلى 10.2 بالمئة.‏

بينما تطور العجز التجاري الأمريكي من 0.9 بالمئة إلى 3.9 بالمئة إلى 4.1 بالمئة ومعنى هذا أن الثروة تنقل تدريجياً من أمريكا إلى الخارج والمستفيد الأول من هذه الحركة عالمياً هو الصين وبالتالي مثل هذا الوضع سيؤثر سلباً على الدولار كاحتياطي نقدي رئيسي في العالم.‏

إضافة إلى أن الصين يبقى تصنيفها عالمياً خارج المجتمعات الاستهلاكية التي حددها الاقتصادي الانكليزي /جون كينيث غالبريث/ على خلاف المجتمع الأمريكي الاستهلاكي الأول في العالم وما يتبعه ذلك من مجتمع مبذر وغير مستثمر إضافة إلى أن المجتمع الصيني رغم تطوره دون أدنى شك لكنه يبقى متعلقاً بخصائصه المحافظة أي الادخارية في سبيل الاستثمار والنمو بوتائر عالية ومتواصلة.‏

إذاً هذه الحالة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين لابد أن تخلق مواجهة ساخنة من تحت الطاولة بينهما وهي تعود بالأساس سابقاً إلى اختلاف النظامين السياسيين وإلى الثقافات لديهما المتباينتين بالرغم من التقارب الأخير بين الدولتين والآتي من ظاهرة العولمة، إضافة إلى أن القلق الأمريكي من الصين يأتي من امتلاك الصين للأسلحة النووية رغم أن موازنة الدفاع الأمريكية توازي ست مرات الصينية ورغم أن النظام الصيني يضبط كل شيء ولا يمكن لأحد أن يتصور استعمال هذه الأسلحة حتى لفض نزاعات قريبة جغرافياً من الصين كالوضع التايواني مثلاً.‏

كل هذه الأمور التي تصب لمصلحة الصين في أن تكون المرشحة الأولى كي تحل محل الولايات المتحدة عالمياً وكي تنتزع منها مركز الصدارة بحكم نموها المتعاظم في مختلف المجالات وتقوقها في عدد منها على الولايات المتحدة هو ما يجعل الفريق المحيط بالرئيس أوباما يحثونه وبكل الوسائل لأن يسارع لمد يده للصين لأنهم بذلك يريدون أن يعيدوا إلى الواجهة مجدداً هذه العلاقات المعقدة مع الصين من جهة ومع بقية الدول الآسيوية من جهة أخرى باعتبارها أنها (اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية) تشكل قلقاً بالغاً للولايات المتحدة ولأوروبا أيضاً على خلفية النجاحات التي حققتها اقتصاداتهم التي تنمو بسرعة مذهلة.‏

وإذا كانت آسيا برمتها ما زالت تحتاج لأمريكا في الأمن والسياسة فإن أمريكا بدورها بحاجة ماسة للمال والاستثمار الآسيوي، وعلى هذا كان حضور الرئيس الأمريكي في الاجتماع السنوي السابع عشر لمنظمة الايبك الآسيوية الاقتصادية والتي تضم /21/ دولة بينها الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا حضوراً مهماً وحاسماً لأنها منظمة تضم في عدد سكانها 40،5 بالمئة من سكان العالم ولأن الآسيويين فيها يشكلون الأغلبية والحلقة الأخطر على استمرار الهيمنة الأمريكية أحادية الجانب.‏

فلذا كل من الجانبين يدخل مرحلة السباق محتفظاً بأوراقه لأن من امتلك الاقتصاد امتلك الآخرين واحتفظ بالسيطرة عليهم.‏

إنها لعبة المصالح والسيطرة فهل يكون فيها للعرب مكان يطلون فيه ومن خلاله للعالم بأنهم حاضرون وليسوا غائبين كما جرت عليه العادة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية