تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إننا مرهونون لسحرها

آراء
الأربعاء 6-1-2010
حنان درويش

من حين إلى آخر يجلس الإنسان مع نفسه، يضيف ويلغي يعطي ويأخذ ويتعلم من التجربة ويكتسب ما يستحيل الاستغناء عن اكتسابه والاحتفاظ به كأهمية التعلم والمعرفة والمهارات والخبرات.

ومثل هذه المكتسبات الضرورية هي مستند تطورنا، وهي وسيلة تكيفنا المتطور مع البيئة والواقع الذي يحفظ تراثنا من الضياع والتلاشي ويعود المرء إلى موجودات ذاكرته كلما اقتضى الأمر، ليأخذ منها ما يلبي حاجته، ويحل مشكلاته ويخدم أهدافه. ولا أعني هنا أن عليه أن يتذكر حرفياً كل ما تلقاه لتمكن من استخدامه في حل ما يعترضه من مسائل خلال حياته لأن عمل الحافظة هو أبعد عن هذه الصيغة بشكل عام على الرغم من تمكنها الاستدعاء الحرفي لبعض الأمور ولكنه الاستثناء الذي لا يمكن التيقن من حدوثه ذلك لأن عملها ليس نسخاً فوتوغرافياً.‏

إن ذاكرة الفرد التي تعتبر حلقة من حلقات الوعي هي حصيلة العمل الاجتماعي ولا وجود للذاكرة الفردية إلا من خلال وجود حياة الفرد في إطار المجتمع.‏

وفي هذا المجتمع تتكون الذاكرة الفردية كمحصلة للذاكرة الاجتماعية، إن المجتمع هو الذي يمنح الانسان وعيه وطريقة تفكيره وأسلوب حياته، فإن لم يرث عنه الفكر والذاكرة واللغة فمن أين يعطي هذه القدرات كلها؟‏

فالذاكرة الاجتماعية هي وسيلة استمرار الفكر عبر الحاضر والمستقبل من خلال تواصل العناصر والأجيال المتلاحقة والمعطيات جميعها هي المؤثرة بدورها في الذاكرة الجمعية، وهي التي تمنحها الكثير من خصبها وعطائها ،وهذا التبادل النوعي لا يتم في فراغ ولا يأتي من فراغ ثمة علاقة جدلية تبادلية يمنح فيها كل طرف الطرف الآخر ما لديه لتكون هناك بنية مادية معنوية حضارية إنسانية.‏

الحافظة إذاً إطلالة الحاضر إلى الماضي المدخر فيها، لذلك رأينا من خلال تحليل بسيط لمفهومها قد وضعنا وجهاً لوجه أمام وظيفة مهمة لا غنى عنها لتطور الإنسان والمجتمع والبشرية جمعاء ولولا الذاكرة لانتفت القدرة على بناء الحضارة الإنسانية لأنها الوسيلة الوحيدة التي تمكن الكائن البشري من خزن تجاربه وخبراته ومعلوماته المكتسبة في سياق نشاطه اليومي.‏

إننا مرهونون لسحر المخبأ والمحفوظ، فهو القوة الخلاقة التي تجعلنا نعرف ونستفيد من معارفنا الماضية على أتم وجه من أجل استخدامها في مواجهة الشروط والظروف المشابهة نفسها التي يمكن أن تطرأ في المستقبل، وهي التي تتيح لنا العودة إلى الماضي للبحث عن نظائر الأحوال المستجدة في الحاضر والتي قد تستجد في المستقبل بغية حلها على الوجه الصحيح الذي حلت به النظائر السابقة أو بغية تلافي الأخطاء التي ربما رافقت الأحوال الماضية المشابهة للأحوال الطارئة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية