تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مراسلات الجسد؟!

آراء
الأربعاء 6-1-2010
حسين عبد الكريم

عصر المرأة الروح و الدروس الصعبة في إدارة و فهم العمر وأيام المراهقة و العيش العائلي.. و عصر المرأة الجسد و إصدارات المفاتن و تسويق خبرة العيوب.. النساء عصر متكامل من الحب و العمران العائلي..

و هنَّ خبرات خاصة في استيعاب الخوف و إصدار نشرات الخشية الذكية: (من الدروب المخفية يمر الوحش و اللص.. و تمر بنات آوى، و يمر ابن آوى الألعن في جنسه ، و الذي يختص بقتل دجاجات القرى... المرأة تفتتح مأمورية و هيئة عامة وخاصة لتصريف الأمور وتسيير الإرساليات بين الروح و الجسد.. الجدة علمتنا الخشية من الخفاء الغادر، و نحن بعد أطفال صفوف أولى، في مدرسة حب ابتدائية..‏

كبرت الجدة و كبرت حكاياتها و كبرت المسافات بينها و بين أطفال المدارس الابتدائية، الذين صاروا في إعدادية الحب، وفيما بعد دخلوا أكاديمية الاشتياق والأسى و الانتظار..‏

بقيت روح الجدة تعلق وجدها و حبها على مشجب الجسد.. ومرة تلو مرة تكلف اليدين بالتحيات أكثر، و تطالب العينين بالنظرات اللافتة والتساؤلات والتأمل.. وتستعين بالقامة على تلويحات الوداع و السفر و الرجوع.. وحين أقفل الجسد خزانة العمر، بقيت الروح و الحكايات في القرابات والأقرباء و الأصدقاء والقرى والأمكنة البعيدة منها والقريبة، لكن المخفي ظل مدعاة للحذر..‏

بنات الجدة ورثن عنها حكمة البساطة وشيئاً من الأسف و حاجات الروح و حواريات النفس والجسد..‏

الخالة الكبرى أخذت عن الأم كامل درس الحوار الدائر بين الروح و الجسد، و كسبت عنها ومنها صداقات حميمية بين الرؤى و احتياجات البقاء الكريم.. وحاولت تطوير مفهوم هذه الصداقات: (أنت أيها الجسد أحتاجك لحمل متطلبات الروح واحتياجات العلاقة الطيبة مع الجارة الفلانية و الجار الفلاني و مع عائلة بيت القطلب و عائلة بيت التين و عائلة بيت الزيتون و.. و.. و عليك أيها الجسد أن تكون طيباً طاهراً معفياً من رسوم العيب والحركات المخفية ذات الإشارات غير المحترمة)‏

وحين تلتقي الأخوات أو الجارات الصديقات أو القريبات تشرح لهن وتفسر بعض المعاني:‏

( الجسد علاَّقة أغراض الروح.. و هو كالأغصان التي تحمل الثمار والقناديل و ظلال النجوم.. و أحياناً يخل بالعهد و يغدر، ويشاغب و يتمرد، ويقوم بنشاطات شيطانية.. أنت و أنت وأنتن جميعكن كن حذرات من حركات الجسد!!؟)‏

الأخوات تعلمن من الأخت الكبرى: الاحتفاظ بحق الرد على أية حركة خاطئة تقوم بها اليد أو أية نظرة في غير محلها أو أية خطوات خارج حدود الهدوء و التريث.‏

برق واحد تستثمره، و تعبأبه وتعنى بضوئه، و البروق الأخرى ظلت على رفوف العمر، ككتاب قديم لم يقرؤه سوى الغبار والنسيان.. واحات جسد النساء الروحانيات، إن صح التعبير، معطلة ومقفلة في وجه العابرين.. الخالات سليلات الجدات و حكايات الخوف من العيب و لا يسرفن بصرفيات الجسد، و لعلهن لا يستهلكن إلا القليل من إمكاناته و ممتلكاته.. ويحتفظن بكامل رصيد العينين من النظرات واليدين من التلويحات و التحيات و القامة من المسافات.. وينسين أن يفتشن عن كنوز الخصر و الكتفين ورياح الجدائل و خزائن الأرداف.. ينسين أكثر الجسد لصالح الروح.. و لا يوقعن في أية مناسبة كتاب المفاتن، ولا ينشرن ملاحق عري أو بهاء.. و لا تصدر عن دور نشر أجسادهن دوريات أو مجلات متخصصة.. كتاب عمرهن بسيط وواضح، ولا يلزمه فهرست أو حاشية و هوامش للتفسيرات الجانبية..‏

بعد الزفاف أو قبله بقليل يمزقن جميع أوراق اعتماد الجسد ويغلقن مستشاريات المفاتن، وينصرفن بكليتهن لتصريف أعمال الروح و الأعباء المنزلية و العائلية.. الجسدفي دائرة الإهمال و التعتيم الإعلامي.. و الشواغل الإنسانية الاجتماعية والعاطفية العائلية كثيراً والعشقية قليلاً محط عناية ورعاية.. النساء راعيات بسيطات في غابات العمر و كروم الجسد.. جيل الجدات والخالات المجاور للجيل الحالي، و الأجيال السابقة قليلاً الكثيرات منهن أغلقن دور نشر الجسد، بعد إصدارات محدودة، لا تتعدى تسريحات الشعر و ترتيب نسائم الجدائل و المناديل.. وبعضهن لم يوقفن مديريات تصريف حسنهن، لكنهن لم يوظفن فيها إلا الاهتمامات ذات التأثير و الضرورة.. وفيما بعد صرن حكمة يافعة ودروس فلسفة في الطيبة و الفطرة النابغة..‏

جسد المرأة تلك للضرورات و تصريف أعمال الحياة.. والجسد المعاصر و المعاصر جداً مرتبك بإصدارات المفاتن و دوريات الإدهاش المرئي.. الجسد صار جميع الحكاية و الكلام، وتوقفت برامج الخشية و مراسلات التريث.. في زمن دروس الحب، الحبيبة تكتب على طرف الرسالة: للتريث!! أو تشير بالنظرات: توقف قليلاً أيها العاشق، ريثما تنجح في مادة الصبر و الانتظار.. أو أعد المحاولة.. أو تقدم بأوراق اعتمادك إلى مستشارية الحب العائلية أو الاجتماعية.. لا غنى عن هكذا مستشاريات وتواشجات، تؤدي إلى انجاب العافية الإنسانية..‏

امرأة من عصر الروح تسير أمور قبيلة حكايات وقصص حب و لهفة وانتظارات.. وامرأة من عصر الجسد لا تقدر على تسيير أمور جسدها والنهوض بأعباء مفاتنها..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية