|
آراء و هنَّ خبرات خاصة في استيعاب الخوف و إصدار نشرات الخشية الذكية: (من الدروب المخفية يمر الوحش و اللص.. و تمر بنات آوى، و يمر ابن آوى الألعن في جنسه ، و الذي يختص بقتل دجاجات القرى... المرأة تفتتح مأمورية و هيئة عامة وخاصة لتصريف الأمور وتسيير الإرساليات بين الروح و الجسد.. الجدة علمتنا الخشية من الخفاء الغادر، و نحن بعد أطفال صفوف أولى، في مدرسة حب ابتدائية.. كبرت الجدة و كبرت حكاياتها و كبرت المسافات بينها و بين أطفال المدارس الابتدائية، الذين صاروا في إعدادية الحب، وفيما بعد دخلوا أكاديمية الاشتياق والأسى و الانتظار.. بقيت روح الجدة تعلق وجدها و حبها على مشجب الجسد.. ومرة تلو مرة تكلف اليدين بالتحيات أكثر، و تطالب العينين بالنظرات اللافتة والتساؤلات والتأمل.. وتستعين بالقامة على تلويحات الوداع و السفر و الرجوع.. وحين أقفل الجسد خزانة العمر، بقيت الروح و الحكايات في القرابات والأقرباء و الأصدقاء والقرى والأمكنة البعيدة منها والقريبة، لكن المخفي ظل مدعاة للحذر.. بنات الجدة ورثن عنها حكمة البساطة وشيئاً من الأسف و حاجات الروح و حواريات النفس والجسد.. الخالة الكبرى أخذت عن الأم كامل درس الحوار الدائر بين الروح و الجسد، و كسبت عنها ومنها صداقات حميمية بين الرؤى و احتياجات البقاء الكريم.. وحاولت تطوير مفهوم هذه الصداقات: (أنت أيها الجسد أحتاجك لحمل متطلبات الروح واحتياجات العلاقة الطيبة مع الجارة الفلانية و الجار الفلاني و مع عائلة بيت القطلب و عائلة بيت التين و عائلة بيت الزيتون و.. و.. و عليك أيها الجسد أن تكون طيباً طاهراً معفياً من رسوم العيب والحركات المخفية ذات الإشارات غير المحترمة) وحين تلتقي الأخوات أو الجارات الصديقات أو القريبات تشرح لهن وتفسر بعض المعاني: ( الجسد علاَّقة أغراض الروح.. و هو كالأغصان التي تحمل الثمار والقناديل و ظلال النجوم.. و أحياناً يخل بالعهد و يغدر، ويشاغب و يتمرد، ويقوم بنشاطات شيطانية.. أنت و أنت وأنتن جميعكن كن حذرات من حركات الجسد!!؟) الأخوات تعلمن من الأخت الكبرى: الاحتفاظ بحق الرد على أية حركة خاطئة تقوم بها اليد أو أية نظرة في غير محلها أو أية خطوات خارج حدود الهدوء و التريث. برق واحد تستثمره، و تعبأبه وتعنى بضوئه، و البروق الأخرى ظلت على رفوف العمر، ككتاب قديم لم يقرؤه سوى الغبار والنسيان.. واحات جسد النساء الروحانيات، إن صح التعبير، معطلة ومقفلة في وجه العابرين.. الخالات سليلات الجدات و حكايات الخوف من العيب و لا يسرفن بصرفيات الجسد، و لعلهن لا يستهلكن إلا القليل من إمكاناته و ممتلكاته.. ويحتفظن بكامل رصيد العينين من النظرات واليدين من التلويحات و التحيات و القامة من المسافات.. وينسين أن يفتشن عن كنوز الخصر و الكتفين ورياح الجدائل و خزائن الأرداف.. ينسين أكثر الجسد لصالح الروح.. و لا يوقعن في أية مناسبة كتاب المفاتن، ولا ينشرن ملاحق عري أو بهاء.. و لا تصدر عن دور نشر أجسادهن دوريات أو مجلات متخصصة.. كتاب عمرهن بسيط وواضح، ولا يلزمه فهرست أو حاشية و هوامش للتفسيرات الجانبية.. بعد الزفاف أو قبله بقليل يمزقن جميع أوراق اعتماد الجسد ويغلقن مستشاريات المفاتن، وينصرفن بكليتهن لتصريف أعمال الروح و الأعباء المنزلية و العائلية.. الجسدفي دائرة الإهمال و التعتيم الإعلامي.. و الشواغل الإنسانية الاجتماعية والعاطفية العائلية كثيراً والعشقية قليلاً محط عناية ورعاية.. النساء راعيات بسيطات في غابات العمر و كروم الجسد.. جيل الجدات والخالات المجاور للجيل الحالي، و الأجيال السابقة قليلاً الكثيرات منهن أغلقن دور نشر الجسد، بعد إصدارات محدودة، لا تتعدى تسريحات الشعر و ترتيب نسائم الجدائل و المناديل.. وبعضهن لم يوقفن مديريات تصريف حسنهن، لكنهن لم يوظفن فيها إلا الاهتمامات ذات التأثير و الضرورة.. وفيما بعد صرن حكمة يافعة ودروس فلسفة في الطيبة و الفطرة النابغة.. جسد المرأة تلك للضرورات و تصريف أعمال الحياة.. والجسد المعاصر و المعاصر جداً مرتبك بإصدارات المفاتن و دوريات الإدهاش المرئي.. الجسد صار جميع الحكاية و الكلام، وتوقفت برامج الخشية و مراسلات التريث.. في زمن دروس الحب، الحبيبة تكتب على طرف الرسالة: للتريث!! أو تشير بالنظرات: توقف قليلاً أيها العاشق، ريثما تنجح في مادة الصبر و الانتظار.. أو أعد المحاولة.. أو تقدم بأوراق اعتمادك إلى مستشارية الحب العائلية أو الاجتماعية.. لا غنى عن هكذا مستشاريات وتواشجات، تؤدي إلى انجاب العافية الإنسانية.. امرأة من عصر الروح تسير أمور قبيلة حكايات وقصص حب و لهفة وانتظارات.. وامرأة من عصر الجسد لا تقدر على تسيير أمور جسدها والنهوض بأعباء مفاتنها.. |
|