تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عودة إلى دمشق القديمة!!

آراء
الأربعاء 6-1-2010
جلال خير بك

ماذا بقي من الشام القديمة؟؟... وأي مدينة هذه التي ندافع عنها وقد باتت ثآليل هنا وهناك وسلبت مواصفاتها الحميمة؟؟!.. إننا لانقصد هنا كتل البناء كلها.. بل نقصد المباني الغفيرة التي هي في الحقيقة:

آيات معمارية أخاذة أقل مايقال فيها أنها واحة المسافر عبر النهار في غياهب التعب والعناء!!!.. وهي عالم قائم بذاته من الحميمية والكفاية والجمال والروعة حتى لتغني ساكنيها عن متاعب النزهات وتكاليفها الباهظة!!!..‏

تلك الصروح المعمارية الجميلة.. تحول قسمٌِ كبيرٌ منها ورغماً عنها: إلى مطاعم وكافيتريات وخزاناًَ شاملاً للزعيق والبعيق وإقلاق الراحة.. وغدا ذلك الجو الحميمي: مباحاً للأقدام والنراجيل ولما هب ودب من الأنشطة البشرية المذهلة!!!.. وتحولت تلك الدروب الحميمة التي شهدت أجيالاًممن عاشوا في الحارات الودودة المتكافلة المتضامنة، إلى ممرات للسيارات وزماميرها التي لاتهدأ، وإلى ضجيج لايوقفه تسرب الليل رويداً رويداً إلى تلك الأنحاء!!!.‏

إننا لانريد لدمشق القديمة عالماً مغلقاً بل يشغلنا الحفاظ على تلك الأبنية الرائعة وأسواقها الجميلة.. الأبنية التي شهدت وحوت تاريخاً بشرياً كاملاً... وأجيالاً عديدة بمحبتها وحنوها كجزء من هذا الوطن الجميل.‏

إننا لنستغرب فعلاً غياب أو محدودية نشاط«جمعية أصدقاء دمشق» وهل هي موجودة حقاً ويحدث أمامها مايحدث؟؟!! وكيف يستوي عملها ونشاطها مع عشرات موافقات تراخيص المطاعم أو حتى الفنادق والمقرات في تلك البيوت الجميلة، حيث يسيء التنسيق والديكورات الجديدة إلى جماليتها ونحن نتفرج على مايجري بأعصاب باردة!!!‏

إن عدداً من أعضاء هذه الجمعية «كما نعرف» كانوا أعضاء في مجلس الشعب أو مديرين مسؤولين جداً في مديريات ذات صلة وثيقة بهذه المدينة القديمة... وإن البعض منهم أيضاً يمارس الكتابة والإبداع والبحث حتى اللحظة.. والبعض الآخر تربطه بالجهات المسؤولة ذات الصلة. صداقات عديدة يمكن لها مجتمعة أن توقف ذلك الزحف التجاري على هذه المدينة العريقة.‏

إننا لانشك بأن للجمعية جهوداً تبذل لكننا في الوقت ذاته لانجد لها جدوى أو فاعلية تدفع عن دمشق القديمة هذا الحيف الذي أحاق بها من كل جانب!!... ونحن إذ نقول ذلك كنا نود لو أننا سمعنا أكثر من مرة تحت قبة مجلس الشعب وبحضور الحكومة. أصواتاً عالية تدفع عن هذه «البقعة!» الأذى والضرر الذي ينتابها من كل جانب!! ولن تفوتنا الإشارة هنا، إلى أن محافظة دمشق ووزارة السياحة معنيتان جداً بالحفاظ عليها.. فكيف إذن يسمح لعشرات التراخيص المذكورة بالصدور والتنفيذ والممارسة؟؟!!.. ولئن كان ثمة تعليمات صدرت أو هي قيد الصدورتلغي دخول السيارات إلى حارات دمشق القديمة إلا للمقيمين فإن هذا لايخفف الجلبة الناشئة ولا التحول «الذي طال العديد من أركانها» إلى مقاصف تجارية!!.. منذ مدة التقينا بشخص قال إنه يحمل دكتوراه في الهندسة وقد اشترى بناءً أثرياً من أبنية دمشق القديمة ليجعله مطعماً... وهو يستغرب ألا تسمح المحافظة بشراء أبنية قائمة مواجه مدخل البزورية لهدمها وتحويلها إلى مرائب وكراجات طابقية!!..‏

قلت له: إذا ضحت المحافظة ببعض هذه المباني فإنها هي وغيرها لن تضحي بالثروة الأثرية الكبيرة الموجودة تحتها لاسيما وأنها متاخمة للشارع المستقيم وفق البناء والمعمارية الرومانية!!‏

فأجاب: باستطاعة الجهات المسؤولة أن تكشف عن هذه الآثار وتنقلها«ولو على نفقة المتعهد» إلى مكان آخر فسيح حتى لوكان في عدرا أو تدمر... وبالتالي تضعها أمام مزيد من الزوار والباحثين!! وتترك لنا هذا المكان لننجزالمرائب الطابقية للسيارات!!‏

قلت: هل من أجل إنشاء مرآب لسيارات رواد مطعمك القادم: تريد أن تضحي بهذه الثروة الوطنية؟؟!!‏

قال: أنا لا أضحي بها وإنما أكشف عنها وأنقلها إلى مكان فسيح ليراها أكبر عدد من الزوار والراغبين!!.‏

فتصوروا كيف يتغلب الجشع التجاري على الحس بالمسؤولية العامة وعلى الحفاظ وصون أوابدنا!!.. وكما قلنا: إن عدداً من أعضاء «جمعية أصدقاء دمشق القديمة» باحثون وأدباء وكتاب معروفون ولهم صلات جيدة بالدوائر المسؤولة.. فحبذا لوصرفوا جزءاً من وقتهم على إعلاء صوت «دمشق القديمة» على السجالات الأدبية والثقافية التي تشغلهم فإذا لم يحركوا هذه الجمعية ويفعلوها كي يعلو صوتها: فإن الوقت لايخدمهم ولايخدمها بل لايخدم أهدافها مادام السيل التجاري آخذاً بالهدير!!!...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية