تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة... تسونامي ليلة رأس السنة ..!

آراء
الأربعاء 6-1-2010
سليم عبود

في ليلة رأس السنة 31/12/2009م .

اجتاح تسونامي الاحتفالات كثيراً من مدن بلادنا وقراها .‏

في تلك الليلة التي شكلت الحد الفاصل بين عام يجرجر خطواته الأخيرة و عام جديد يطل برأسه اختلط عليّ كل شيء ، لم أعد أميز هل نحن في فرح ، أو في جنون هب فجأة كعاصفة مباغتة .‏

ليلة رأس السنة لهذا العام كانت أكثر جنوناً من كل الأعوام الماضية ، كانت صاخبة منذ الغروب وحتى الفجر ...ماحدث أعادني إلى سنوات طفولتي ، كانت ليلة رأس السنة تمر كغيرها من الليالي ، من غير صخب ومفرقعات ، كان الفرح في الماضي يمثل حالة اجتماعية ووطنية ووجدانية وإيمانية . عيد الأضحى ، عيد الفطر، الثامن من آذار ، عيد الاستقلال ، احتفالات التصحيح ، كان للفرح في تلك المناسبات معنى وهدف وغاية وقيمة ورؤية ،كل ذلك كان يعمق انتماءنا للناس والوطن والقيم والسلوكيات النبيلة ، تذكرت كيف كان الأطفال يذهبون إلى الكبار، يقبلون أكفهم « كل عام وأنتم بخير ياجدو ، ياعمو ، ياخالو » وتستقر في أكفهم الصغيرة قطع النقود المعدنية .‏

حقيقة ...كانت أعياد أيام زمان رائعة وبهجة ، لا مفرقعات تذهب مافي الجيوب ، ولارعب يصيب الرضع والأطفال الصغار جداً ، أعرف كثيراً أن أطفالاً كثيرين أصيبوا بالرعب جراء تلك الانفجارات المتلاحقة وأن قتلى سقطوا في تلك الليلة .‏

من يدفع ثمن هذا الرعب والصخب والقتل ؟؟‏

بالتأكيد سيعيش الأطفال هذا الرعب طويلاً وسيعيش أهل القتلى الحزن طويلاً .‏

في كل حال ....‏

هذاالجنون هو أحد مظاهر الغزو الثقافي الموجه إلينا من الغرب وللأسف تتلقفه وسائل الإعلام العربية وتسوقه إلى شعوبها التلفزيونات العربية مصابة بجنون رأس السنة وبجنون عيد الحب وبألف جنون آخر.‏

الفرح جميل ، ولكن الفرح الذي ينهض على مناسبات وأهداف نبيلة ،ويفصح عن قيم وسلوكيات تعزز عرى العلاقات الوطنية والاجتماعية.‏

لماذا هذا الجنون ؟؟.... في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان العدوان الصهيوني على غزة ، ومازال مستمراً ، الغزاويون اليوم بين جدار فولاذي تقيمه دولة عربية ، و جدار القتل الإسرائيلي و في العراق والصومال واليمن والسودان وفي الضفة الغربية أنهار دماء ، والقدس تتعرض للتهويد.‏

أتساءل وحالنا كأمة هكذا : لماذا كل هذا الصخب الذي نمارسه ليلة رأس السنة ، هل هو احتفاء بالدم العربي المسفوح في كل مكان ... أي إنه احتفاء بالهروب من مسؤوليتنا الأخلاقية أوالوطنية ،أم إنه الغرق في أوحال الغزو الثقافي القادم من الغرب ليتنا مارسنا الصمت في تلك الليلة حداداً على مايجري في فلسطين ...ولكنه الغزو الذي اجتاحنا بالجنون ....‏

يقول إيجلتون العادات والتقاليد والثقافات ، وعلاقات الأفراد ببعضهم ، وعلاقة الإنسان بمحيطه الاجتماعي ،وبأهله وحتى بطبيعة تبادل التحية بين الرجل وزوجته ، وبتحية الصباح بين الجار وجاره أهداف للغزو الثقافي.‏

في يوم الخميس 31/12/2009م وأنا عائد من دمشق إلى اللاذقية كانت سيارات قافلة شريان الحياة على طول الطريق ... أحزنني المشهد ، وأشعرني بالخجل من نفسي ...تساءلت : أين نحن من هؤلاء الذين جاؤوا من أوروبا وأمريكا وأفريقيا لدعم صمود أهلنا في غزة ، ولإدانة العدوان الصهيوني ....‏

أين كل البرلمانيين العرب من جورج غالاوي الذي يقود القافلة تلو القافلة إلى غزة تاركاً روعة الحياة في أوروبا إلى شقاء يعيشه على الدروب من أجل أناس لارابط بينه وبينهم سوى الانسانية ونحن نمارس جنوننا.‏

في ليلة رأس السنة،استقرت قافلة شريان الحياة في اللاذقية واللاذقية في تلك الليلة تحولت إلى غابة أضواء وشهب ومفرقعات ، تساءل رجل إيطالي من القافلة ما هذا الذي يجري من البحر إلى الجبل البعيد؟؟‏

أجابه لاذقاني على استحياء:‏

«الناس يحتفلون بكم »‏

سألني أحد الأصدقاء الذي قرأ انزعاجي ممايجري:‏

ألا يحق لنا أن نحتفل في رأس السنة كما يحتفل العالم؟‏

أجبته : وبماذا سنحتفل ، بمآسينا التي لاتنتهي؟‏

والله لولا انتصارات السياسة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، لقلت إن العالم العربي يغرق في عتمة الهزائم والانكسار . صحيح أن العالم يحتفل ولكن من غير هذه الفوضى وهذا الجنون ، ومن غير مصاريف تستهلك الجيوب الفقيرة ، في مدن العالم المتحضر و تقوم البلديات بتجهيز الساحات الرئيسة بالأضواء وأشجار الميلاد ،ويشرف على إطلاق الشهب أناس مختصون ، ويتجمع المحتفلون في تلك الساحات الرئيسة فقط، وفي لحظة ولادة السنة الجديدة يتبادل الناس تهاني العيد، ثم ينصرفون بهدوء .‏

أريد أن أسأل الذين احتفلوا في ليلة رأس السنة بإطلاق المفرقعات والشهب وبتشفيط السيارات أين ذهبت نقود دعم المازوت التي أعطيت لكم ؟؟‏

في تلك الليلة المجنونة ، ليلة رأس السنة ،وأنا أشاهد الساحل كله من البحر إلى الجبل غابة من الأضواء والمفرقعات التي ترج الأرض والتي تطلق براجمات وقاذفات والتي أصابت الأطفال بالفزع،تساءلت :‏

« كيف دخلت تلك المفرقعات إلى بلدنا بعشرات الشاحنات ؟؟‏

وتساءلت أيضاً: كم مستوصفاً أوكم سيارة إسعاف أوكم مدرسة أوكم طريقاً أوكم منزلاً لإيواء الفقراء أو كم مشغلاً لاستيعاب اليد العاطلة عن العمل يمكن أن تفعله تلك الأموال التي تهدر في رأس كل سنة؟؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية