تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغرابةُ في زيّ البديهيّ

كتب
الأربعاء 6-1-2010
جوان تتر

من ديوانه الأوّل «جندي عائد من حرب البكالوريا» الصّادرعام 2001، كشف الشّاعر زكي بيضون عن موهبة دفينة ومغايرة للسّائد، نقرؤه يقدّم من خلال مجموعته الجديدة «ملعب من الوقت النّائم»

مجموعة أفكار تساهم في إغناء المشهد الشعري العربيّ الشبابي الرّاهن ضمن صوغ مختلف . سردا وطريقة وعرضا وصورا ودلالات.‏

زكي بيضون في «ملعب من الوقت النائم» يمارس هوايته بحذاقة، هواية إلباس الغرابة زيّ البديهيّ، حسّ آخر بلهجة مباشرة «لكن ليست مباشرة ساذجة»، استخدام مفردات صوتيّة تصويريّة أكثر منها شعريّة فانبثقت الجبال والأراضي من منابع العدم وعادت السّماء إلى لوعة منسيّة».‏

ثمّة مزج بين القصّة والشّعر، توليف سحريّ بين هذين الجنسين والنتيجة مفادها نصوص مقلقة _ متأرجحة بين صوغ شعري وسرد قصصيّ مكثّف تستوجب إعادة القراءة رغم انّ القصائد كاملة لها ملامح البساطة، لكن، مندرجة ضمن البساطة المرعبة.‏

في الكتاب لن يتوقّف زكي بيضون عن الانزياح نحو القصّة محقّقا كلّ السمات المتعارفة لهذا الجنس الأدبيّ كما في «رحيل السماء -الإرهاب في السماء - الجلاد والغريب وغيرها، لدرجة انه يمكننا احتسابها قصصا متكاملة. نعم، الشمس والقمر والكواكب والنجوم وذلك الفضاء اللامتناهي الذي يتّسع لكل خيالاتنا وتأملاتنا كل ذلك اختفى ولم يبق سوى فراغ مرعب كنافذة جهنمية مفتوحة على المطل».‏

ماذا يعني ان يفيق الناس ليجدوا السّماء راحلة، السماء، البديهة التي لانوجّه أبصارنا إليها خوفا من الارتطام بأشياء غير معروفة؟، هنا يحرّضنا على التفاته إلى السماء -البديهة- التي رحلت سخطا ونقمة على ظلم البشر للبشر. قصائد متعبة لها دلالات وجوديّة موشومة بفوضى منبعثة عن رغبة في التّقويم، رغبة متأرجحة بنفس اللحظة مابين الهرب والبقاء ضمن الواقع، إذن إنّها الفلسفة والاتّكاء على أفكار فلسفيّة، كإغفال الفلاسفة المعنى الانطولوجيّ للمشي وإعطاء المشي مظهر فعل لايخلو من الفلسفة والنظرة الفلسفية كما في قصيدته سيرة مشّاء.‏

من المؤسف أن الفلاسفة قد أغفلوا المعنى الانطولوجي العميق المحتجب وراء المشي، فالخطوات «وحدة زمنية».‏

الملفت في منجز زكي بيضون، الغرابة، حدود لامتناهية يطلق بيضون فيها خياله الغريب وتأملاته الفلسفية الغريبة ورؤاه المشوّبة بخيال علميّ، كما في قصيدته - قصته: «الإرهاب في السماء»، ثمّة اختلاف في قيمة وأثر ما يدوّنه زكي بيضون اعتبارا من ديوانه الأوّل الصّادر عام 2001 -«جندي عائد من حرب البكالوريا».‏

مقارنة مع الأصوات الشعريّة الشابّة، ليعزّز هذه القيمة والأثر في ديوانه «ملعب من الوقت النائم»، إذ يلامس الشاعر ذاته الداخليّة بحريّة مطلقة، لاقيود، لا اعتبارات شعريّة أو محاكاة لقامة شعرية، إنمّا سعي دؤوب لتكوين مفهوم - صوت شعريّ خاصّ به -جاهداً قدر المستطاع على تحقيق الجوهر، أعني عدم الاكتفاء بالشعريّة «الشعور والصورة الشعريّة» كلا، إنّما الاشتغال الهادئ في الصّومعة على أفكار فلسفيّة جماليّة ضمن صوغ أدبيّ: كل فكرة هي تحدّ، كل كلمة هي حلبة ملاكمة، إلا ان العبقرية الحقيقية تتجلى حينما نتجاهل ذلك ونبتسم، ان نلبس ابتسامة التماسيح بينما اللغة تتناطح على هوامشنا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية