تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خزائن المخطوطات في دمشق

كتب
الأربعاء 6-1-2010
يمن سليمان عباس

تراثنا المكتوب كنوز مخبأة تناثرت في مكتبات العالم ومتاحفه، وأفاد منها المعنيون في الطب والأدب والفلسفة وغيرها، وعلى الرغم من أن جهوداً مضنية بذلت لتحقيق مخطوطاتنا ونشرها إلا أن الكثير منها لايزال حبيس الأدراج وخزائن المكتبات ولما ير النور بعد،

وإذا أردنا التخصيص فإن المخطوطات الدمشقية كثيرة ومنتشرة في أماكن شتى، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن مكتبة الأسد حوت وصانت هذه الثروة الثمينة.‏

كتابنا اليوم بعنوان المخطوطات الدمشقية المخطوط العربي منذ النشأة حتى انتشاره في بلاد الشام، صدر الكتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب وهو من تأليف إياد خالد طباع الباحث في التراث العربي والمخطوطات.‏

يقول المؤلف في مقدمة كتابه: وتحتفظ دمشق اليوم بأندر المجموعات الحديثة في العالم ضمتها خزائن المكتبة العمرية والمكتبة الضيائية التي لم يبق منها إلا النزر القليل إضافة إلى توافر نحو (158) مخطوطاً زاد عمرها على ألف عام وتحتفظ بأقدم مخطوط لديها وهو كتاب «مسائل الإمام أحمد بن حنبل الشيباني» المنسوخ قبل سنة (266).‏

كما تحتفظ بنسخة من «ديوان الفرزدق» يعد من أقدم المخطوطات في العالم التي وجد فيها نظام التعقيبة، نسخت قبل العام (331) هـ.‏

كما ازدهرت دمشق بأسواق الوراقين فيها، حيث كانت تعج بزوارها من أهل العلم وطلبته يحجون إليها من الآفاق تركز جلها قرب مركز المدينة آنذاك ناحية المسجد الجامع جامع بني أمية.‏

وكانت تشهد هذه المنطقة التي تسمى حتى عهد قريب سوق المسكية مزادات لبيع الكتب والمخطوطات يؤمها الناس من كل حدب لشراء النوادر منها، تحاكي الآن المزادات الدولية بلندن مثل «سوذبيز» و«كريستيز» واحتفظت مدينة دمشق بما بقي فيها من المخطوطات في خزانة المكتبة الظاهرية ثم في مكتبة الأسد الوطنية التي أضيفت إليها مخطوطات من المحافظات الأخرى، وتتابع مسيرة الأجداد في الحفاظ على المخطوط بترميمه وتعقيمه وتجليده.‏

الكتاب:‏

يتوزع الكتاب على 472 صفحة من القطع الكبير تشمل ثمانية أبواب، يمكن أن نشير إلى بعض خطوطها العريضة من خلال الفصول الأربعة الأولى كما قدمها المؤلف. الفصل الأول وفيه يعرف المؤلف المخطوط، والمخطوط المكتوب بالخط لا بالمطبعة والجمع مخطوطات والمخطوطة النسخة المكتوبة باليد.‏

وقد اشتهرت كلمة مخطوط في بلدان المشرق مقابل نسخة قلمية في المغرب.‏

أما الحد الزمني لتسمية الكتاب مخطوطاً فهو ما نسخ قبل عام 1900م =1317هـ، وما نسخ بعد هذا التاريخ أطلق عليه «مخطوطات جديدة أو حديثة».‏

الفصل الثاني يتحدث عن ازدهار المخطوطات في دمشق وباقي البلاد العربية والإسلامية حيث أنشأ معاوية بن أبي سفيان في دمشق أول خزانة للكتب العربية، وأخذ العباسيون منذ زمن المنصور يقتنون الكتب، وانتشرت أسواق الوراقين ومصانع الورق وازدهر الكتاب بازدهار العلم ومجالس العلماء وتشجيع الخلفاء.‏

الفصل الثالث: يتحدث عن حركة التأليف التي بدأت بالظهور منذ نصف القرن الهجري الأول، وبدأت في القرن الثاني حركة التدوين وفي أوائل القرن الثالث كثر التأليف كما كثر الطلب على الكتب.‏

وظهر عدد من الصناعات والمهن وهي صناعة الورق وتجارته ومهنة النسخ ومهنة الزخرفة وصناعة التجليد وتجارة بيع الكتب.‏

ويتحدث المؤلف في الفصل الرابع عن التأليف الذي أخذ مرادفات عدة عرفتها أدبيات التدوين مثل التصنيف والإملاء فيقال مثلاً هذا الكتاب تصنيف فلان أو صنفه فلان أو أملاه فلان أو إملاء فلان.‏

الورق في دمشق‏

يتحدث الباحث طباع عن الورق في دمشق وكيف وفد إليها فحسب رأيه: بقيت دمشق في العصر الأموي وحتى فترة طويلة بعده تستعمل الجلود والرقوق والبرديات، لأن صناعة الورق دخلت إليها متأخرة.‏

وقبل الورق كان الدماشقة يستعملون القراطيس المتخذة من ورق البردي يستوردونها من مصر، ونقلت الأخبار أن عبد الملك بن مروان أول من أحدث أن يكتب رؤوس الطوامير: «قل هو الله أحد» وغيرها من ذكر الله، وكانت القراطيس غالية الثمن ولذلك فقد كان الناس يقتصدون بها كل الاقتصاد وكان عمر بن عبد العزيز أكثر الخلفاء الأمويين في دمشق توفيراً لها وكان يناقش الكتاب والعمال في عدد القراطيس ويأمرهم بجمع الخط كراهة الإسراف، وقد كتب إلى بعض عماله «دقق القلم وأوجز الكتاب فإنه أسرع للفهم» وشكا أحد عماله قلة القراطيس عنده فكتب إليه: «دقق قلمك وقلل كلامك تكتف بما عندك من القراطيس».‏

ولعزة القراطيس وغلاء ثمنها زمن الأمويين فقد جعل في دمشق بيت خاص وهذا ما أشار إليه المسعودي في حادثة مقتل عمرو بن سعيد الأشدق وكان الخلفاء من هذا البيت يوزعونها بمقادير محدودة على العمال والولاة.‏

ومن هذا الخبر يستدل على غلاء القراطيس، غلاء جعل الدولة تشرف بنفسها عليها وتهتم بها اهتماماً خاصاً ويؤكد ذلك ما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج أن الدواوين كانت إذا خاطبها أحد في أمر له تتقاضاه ثمن ما يكتب له فيه، وقد نهى عمر بن عبد العزيز عن هذا رفقاً بالناس.‏

ولا بد من الإشارة إلى أن الكتاب يقدم في نهاية المطاف معجماً للمخطوطات الدمشقية وهو جهد توثيقي مهم لا غنى له لباحث يرغب في تحقيق مخطوطة ما.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية