تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


توهّمـــــــات الأزمـــــــة

ثقافة
الأربعاء 6-1-2010م
عبد الكريم الناعم

بداية لابد من القول إن المقصود بمفردة (الوهم) هو الغلط في الحساب، لأن معنى (توهّم) ليس ذلك المعنى الذي يحمله معظمنا، والذي يدخل في مساحة (تخّيل)، أو (ظنّ)، إذ ثمة أكثر من معنى،

وهي بعيدة عما قرّ في وعينا، ف (الوهم) ليس هو التخيل، كما أن (التخيل) ليس (الخيال) الذي نتحدث عنه في الابداع، على ما بينهما من قرابة الجوار في الجذر اللغوي، الذي هو مرجعنا في كثير من التحديات التي نتكلم عليها، ولعله من المفيد أن نذكر معنى (الوهم)، بحسب ما جاء في (المنجد)، نذهب إليه اختصاراً، ودلالة، لكي لا نغرق في التعريفات الفلسفية، ولاسيما الصوفية منها، لنكتشف حجم المفارقة بين ما نحمله من معنى و.. المعنى الدقيق لهذه المفردة.‏

جاء في (المنجد): «الوهم: ما يقع في القلب من الخاطر، ويطلق على القوة الوهمية، وهي من الحواس الباطنة التي من شأنها ادراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، كشجاعة زيد وسخائه، وهذه القوة هي التي تدرك في الشاة مثلاً أن الذئب مهروب منه».‏

بهذا المعنى ينأى معنى (الوهم) كثيراً عما حملناه، أو حمّلناه، ويصبح المعنى الوحيد المناسب لما نحن عليه هو «الغلط في الحساب» سواء أكان حساباً رقمياً، أو معنوياً، وهذه النافذة على صغرها تبين كم نحن بحاجة إلى التدقيق في معاني المفردات، لنعيد للمفردة صدق الدلالة وإحكامها.‏

يندر أن نقرأ لقاء صحفياً، أو نسمع ما يقوله أحد المستضافين، في وسائل الاعلام المسموعة، دون أن يقول إن الشعر العربي في زمنه المعني، يعاني من (أزمة)، البعض يفصّل في مظاهر تلك الأزمة، والبعض الآخر يكتفي بالاشارة، وبتكرار هذا القول انزرع في أفهامنا أن ثمة أزمة ولست أنكر ولا أعترض، بيد أنني بصدد التصويب، ووضع الأمور في نصابها.‏

ثمة أزمة نعم ولكن أين تستقر متربعة، تفيض بنواتجها، أهي في (الشعر) أم فيمن سماهم الواقع الأدبي والصحفي (شعراء)؟!!‏

إن الجملة الأخيرة تحمل معنى لا لبس فيه وهو أن الجهات المعنية ومن ساهم معها من مساحات رافدة لهما هي التي سمت بعض من يكتبون (شعراء)، وهذا هو ما أردته بالضبط فلقد طفا، أو عوّم على السطح أعداد، في هذه الخانة، ما جعل الأمر على درجة كبيرة من التعقيد، لا تقل عن التمريرات، والآلاعيب والشعوذة التي نراها في معظم السياسات العربية القائمة، الراهنة، وأرجو ألا يتسرع متسرع فيحتج على هذا الربط، وذلك لأن أي فصل بين ما يجري في الواقع وحالة (الانتاج) الأدبي هو فصل تعسفي قد يكون بوعي من الذين امتدت هوائياتهم إلى البعيد، إلى المركز، وعن غير وعي من الذين يجدون حضورهم في ركوب الموجة، والذين اشتغلوا، ويشتغلون على ذلك الفصل بين الحياة بمعطياتها والابداع الأدبي إنما ينزلقون إلى مغالطات خطيرة وليس الترويج إلى أن يكون الشعر (صافياً) ليس فيه غير الشعر إلا دعوة مستبطنة للتخلي عن قيمة (الحق) فيه، وهي دعوة فيها الكثير من التعسف، لأن الفصل بين الحق والخير والجمال غير ممكن لأن كل أقنوم فيه هو مظهر للأقنومين الآخرين وهي علاقة حية وجودية لا نستطيع حذف واحد منها، أو اضعافه دون أن يصيب الهزال الأقنومين الآخرين.‏

في كل مرة يذهب التطرف والتعصب بأصحابه إلى مواقع (تكفير) الآخر، فمتى نخرج من هذه المتاهة؟!!‏

نعم نستطيع أن نكتب عن كل ما نريد، شريطة أن نحقق مواصفات الكتابة الشعرية، فلا تجرفنا التيارات والتحولات السريعة أو البطيئة فنكون في الصباح مع هذه الفكرة أو ذلك المبدأ وفي المساء ضده.‏

لقد جرفتنا التيارات الهابطة علينا دائماً من الخارج وتلك مسألة لها علاقة بالوعي من نحن وماذا نريد ومن العدو المعرقل المحبط في الداخل والخارج؟ولعل الطريف المحزن في الأمر أن معظمنا يتعارض مع التوجهات العولمية المتوحشة ونقتفي السموت التي رسمها دهاقنة النظام العولمي النهاب في المساحات التي يفترض فيها القدرة على التخطي وعدم الوقوع في الأشراك المنصوبة هذا حين تكون الشرائح المعادية للعولمة المتوحشة واعية وأصيلة.‏

إن نظرة سريعة إلى الواقع (الانتاجي) فيما ينشر وأنا أعني بالانتاج ذلك الكم الرديء مما نطلق عليه أسماء ليست منه وليس منها نظرة إلى هذا الواقع تبين أنه صورة عن واقع الفساد السائد قطرياً وقومياً فهل هو انعكاس آلي أم إن الصورة تضع بين أيدينا دقائق التفاصيل فكيف يمكن الخروج من جاذبية ما نحن فيه، وهي جاذبية وجودية؟!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية